ولقد قال أكثر المفسرين (١) إن الآية الأخيرة أي الآية [٣٦] استمرار لحكاية كلام عيسى عليهالسلام. وهذا محتمل قياسا على مثل ذلك محكي عنه في آيات أخرى مثل آية سورة المائدة هذه (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٧٢) ومثل آيات سورة الزخرف هذه (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٦٤) ومع ذلك فمن المحتمل أن تكون الآية خطابا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بتوجيهه للسامعين أيضا تعقيبا على قصة مريم وعيسى عليهما والسلام التي أمر بذكرها لهم. وقد ذكر هذا الاحتمال بعض المفسرين أيضا (٢).
تعليق على قصة
ولادة عيسى وأهدافها
ولم نطلع على رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات ولا التي قبلها. غير أن بدءها بالأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بذكر مريم وقصة ولادة عيسى عليهماالسلام ، واحتواء الآية [٣٥] ما يدل على أن قصد إيراد القصة هو تقرير الحق فيما يمتري الناس السامعون فيه ، يمكن أن يكون قرينة أو دليلا على نزول الآيات في مناسبة موقف جدلي واقعي بين النبي صلىاللهعليهوسلم والعرب ، أو بينه وبين النصارى ، أو في مجلس كان فيه فريق من هؤلاء وفريق من هؤلاء ، أو بناء على سؤال ورد على النبي صلىاللهعليهوسلم عن حقيقة أمر عيسى عليهالسلام وولادته ، وأن حكمة التنزيل اقتضت ذكر قصة ولادة يحيى عليهالسلام كتمهيد أو مقدمة تدعيمية. وقد تكرر مثل هذا ولنفس القصد ونفس التدعيم في فصل طويل جاء في سورة آل عمران الآيات [٣٣ ـ ٦٨]
__________________
(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والكشاف مثلا.
(٢) انظر تفسير الآية في مجمع البيان للطبرسي.