فيه ؛ وذكرت في معرض التبكيت أن الظالمين الضالين إذا كانوا في ضلال مبين في الدنيا لانصرافهم عن سماع كلمة الحق والانصياع لحجته ورؤية معالمه فسوف يكونون في الآخرة أقوياء السمع والبصر ، فيعرفون ذلك الحق معرفة يقينية ، ولكنهم يكونون قد فوّتوا على أنفسهم الفرصة في الدنيا. وأمرت النبي صلىاللهعليهوسلم بإنذارهم بهول ذلك اليوم الذي سوف يتحسرون فيه على فوات الفرصة وعدم الإيمان وعلى الغفلة التي كانوا مرتكسين فيها ، وقررت في النهاية أن الله عزوجل هو الباقي الوارث للأرض ومن عليها ، والمتصرف فيها والذي يرجع إليه الناس أولا وآخرا.
والتعقيب والإنذار والتبكيت قوي نافذ. وقد استهدف فيما استهدف إثارة الخوف والارعواء في نفوس السامعين كما هو المتبادر.
تعليق على جملة
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)
وبمناسبة هذه الجملة التي تعني على الأرجح أحزاب أهل الكتاب وشيعهم وبخاصة النصارى نقول إن هذه هي المرة الأولى التي تذكر اختلاف أحزاب أهل الكتاب في صدد عيسى بخاصة وفي الشؤون الدينية بعامة. ثم تكرر ذلك مرارا في السور المكية والمدنية. وقد كان هذا تسجيلا للحقيقة التي كانت قائمة راهنة في زمن نزول القرآن ممتدة إلى ما قبل ذلك والتي كان الأمر يصل فيها إلى الاقتتال على ما سجلته أيضا آية سورة البقرة هذه (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٢٥٣) وفي أكثر من مرة سجل القرآن علة الخلاف الذي كان ينشب بينهم وهي كونه نتيجة من نتائج البغي فيما بينهم الذي يعني التعمد في التنافس على المآرب الخاصة ولا يمتّ إلى الحق والحقيقة كما جاء في آيات عديدة منها آيات سورة البقرة [٢١٢] وآل عمران [١٩] ويونس [٩٣] والشورى [١٤] والجاثية [١٧].