(بِما صَبَرُوا) بأنهم صبروا على دينهم الأول إلى أن بعث محمد فآمنوا به. وقد تبادر لنا تعليل أوجه على ضوء ما احتوته الآيات ، فقد كانوا يسمعون من جاهلي المشركين أي سفهائهم ما يؤذيهم بسبب إيمانهم فكانوا يصبرون ويقولون سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)) [٥٦]
تعليق على آية
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلخ
عبارة الآية واضحة ، وجمهور المفسرين يروون أن الآية نزلت في أبي طالب عمّ النبي صلىاللهعليهوسلم ويوردون روايات عديدة في صدد ذلك. وهناك حديث يرويه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة نكتفي به عن الروايات قال «إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعمّه أبي طالب قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة ، قال لولا أن تعيّرني قريش يقولون إنّما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك فأنزل الله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)» (١) ومقتضى الحديث أن يكون ذلك عند حضور الموت أبا طالب.
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ١٧٦ ـ ١٧٧ وننبه على أن الشيعة يروون أن أبا طالب قد أسلم قبل موته. وقال الطبرسي في سياق تفسيره الآية (٢٦) من سورة الأنعام إن آل البيت مجمعون على إيمان أبي طالب وإجماعهم حجة. وروي عن ابن عمر أن أبا بكر أتى بأبيه يوم الفتح إلى النبي فأسلم على يديه فقال له ألا تركت الشيخ فآتيه ، وكان أعمى ، فقال أبو بكر أردت أن يأجره الله ، والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشدّ فرحا مني بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينيك قال صدقت. ونحن نتمنى أن يكون ذلك صحيحا لما كان من مواقف أبي طالب من نصرة النبي ، ولكن الحديث الصحيح الذي أوردناه ينتقص هذا الخبر غير الموثق ، وجملة (إجماع أهل البيت) لا يمكن أخذها مسلمة. والله أعلم.