تيسّر للسامعين ـ والمقصود بهم الكفار وزعماؤهم الذين هم موضوع الكلام ـ من أسباب العيش والأمن التي يتمسكون بها ويفضلونها على اتباع هدى الله ليست إلّا زينة ومتعة دنيويتين محدودتي الأمد والأفق ، ومن الواجب عليهم والأحجى بهم أن يدركوا ويعقلوا بأن ما عند الله هو خير لهم وأبقى ؛ ولا يتساوى ما وعده الله من وعود حسنة للمؤمنين سوف تتحقق لهم مع أولئك الذين تيسر لهم ما يتمتعون به في الحياة الدنيا القصيرة ثم يحشرون يوم القيامة ويساقون نحو مصيرهم الرهيب.
تعليق على الآية
(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها)
وما بعدها وما فيها من تلقين وحكم
وأسلوب الآيات حجاجي هادئ قوي الإحكام ، ويلهم أنه موجه إلى ذوي عقل وإذعان أدّاهم اجتهاد خاطئ إلى موقف خاطئ ، وأريد به البرهنة على ما في هذا الاجتهاد والموقف من خطأ ، وهذا الأسلوب يتسق مع الأسلوب الذي حكى عن الكفار في الشق الأول من الآية السابقة والذي رجحنا أنه صادر من الفريق المعتدل من الزعماء ، ولذلك نرجح أن الآيات موجهة إليهم أيضا تعقيبا على تلك الآية ، ومع ذلك فإطلاق الكلام يفيد أنه موجه إلى جميع الكفار وزعمائهم أيضا.
وفي الآيتين الأولى والثانية حكمة قرآنية اجتماعية بالغة ومستمرة التلقين ، فالأمم إنما يهلكها بطرها واستكبارها وغفلتها عن الحق واستغراقها في شهواتها الدنيوية دون تدبر وتروّ ، وإنما يصلحها تدبرها وبصيرتها واعتدالها وسلوكها طريق الحق وتفكيرها في العواقب وعدم إسرافها في متع الحياة وشهواتها.
وليس من محل لتوهم التناقض بين ما جاء في الآيات وبين الخطة القرآنية في إباحة متع الحياة الدنيا وزينتها والطيبات من الرزق واستنكار تحريمها وحظرها التي احتوتها آيات سورة الأعراف [٣١ ـ ٣٣] فإن هذه الخطة مقيدة بالقصد والاعتدال