ومنها الحوار الذي كان يجري بين نوح وقومه بشأن الذين آمنوا من الضعفاء والفقراء. ففيه صورة لما كان يجري بين النبي صلىاللهعليهوسلم وزعماء الكفار مما حكته آيات عديدة ، منها آيات الأنعام هذه : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) وآية سورة الكهف هذه : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨) حيث كان زعماء قريش ينظرون إلى الفقراء الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم واتبعوه بنظر الازدراء ويطلبون من النبي صلىاللهعليهوسلم طردهم. وفي الحوار تثبيت للمؤمنين من هؤلاء وتنبيه لهم بأن موقف الكفار منهم ليس جديدا بل هو ديدن الكفار السابقين أيضا ، وتنويه بهم وتقرير بأنهم قد استحقوا رحمة الله وبرّه بإيمانهم وعملهم.
ومنها ما حكي من قول نوح عليهالسلام لقومه بأنه لا يعلم الغيب وليس عنده خزائن الله وليس هو ملكا. وهذا ما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقوله للكفار كما مرّ شرحه في سياق سورتي يونس والأعراف ، ومما جاء في آية سورة الأنعام هذه : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (٥٠) والعبرة في هذا إعلان وحدة طبيعة الأنبياء وكونهم جميعا ليسوا إلّا مبلغين عن الله وليسوا إلّا بشر كسائر البشر.
تعليق على آية (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) من آيات الحلقة
هذا ، ولقد اختلف المفسرون في المقصود بالآية [٣٥] (١) حيث قال بعضهم إنها معترضة وإنها تعني مشركي العرب وتأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالرد عليهم إذا قالوا إن ما
__________________
(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والبغوي.