سبحانه يعلم الذين يسلكون سبيل الشقاء فيستحقون النار والذين يسلكون سبيل السعادة فيستحقون الجنة. أما من باب (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) البقرة : [٢٦] و (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) الرعد : [٢٧] وهذا هو المتسق مع المبادئ القرآنية المحكمة على ما شرحناه في مناسبات سابقة. على أن في آيات سورة الليل التي قرأها رسول الله على ما جاء في الحديث الثاني قرينة حاسمة فهي تنسب الإعطاء والتقوى والتصديق بالحسنى والبخل والاستغناء والتكذيب بالحسنى لفاعلي ذلك وترتب تيسير الله للأولين للحسنى وتيسير الآخرين للعسرى على ذلك. وهذا أيضا وارد في بقية آيات سورة الليل التي تأتي بعد الآيتين.
تعليق على جملة (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
وقد وقف بعض المفسرين (١) إزاء تعبير (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) لأن هناك آيات جاء فيها ما قدم يوهم نقض ذلك مثل آية سورة النحل هذه : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١) ومثل آيات سورة ص هذه : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٦٤).
ومما ذكره الزمخشري في رفع الإشكال أن ذلك اليوم طويل له مواقف ومواطن ، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم ، وفي بعضها يؤذن لهم ، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم. وهذه التخريجات وجيهة وكل الصور المذكورة فيها مما ورد في آيات قرآنية أخرى مرّت أمثلة منها في السور التي سبق تفسيرها.
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري.