قال ابن الأثير : الفأل مهموز فيما يسر ويسوء ، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء ، وربما استعملت فيما يسر. يقال : تفاءلت بكذا وتفالت على التخفيف والقلب. وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا.
وإنما أحب الفأل : لأن الناس اذا أملوا فائدة الله تعالى ، ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوى فهم على خير ، ولو غلطوا فى جهة الرجاء فإن الرجاء لهم خير ، وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر.
وأما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله ، وتوقع البلاء. ومعنى التفاؤل مثل أن يكون رجل مريض فيتفاءل بما يسمع من كلام ... (١).
وكما ذكر آنفا أنه صلىاللهعليهوسلم كان يحب الفأل فقد روى البخارى (٢) ومسلم (٣) وأحمد (٤) عن أبى هريرة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا طيرة وخيرها الفأل» قالوا : وما الفأل يا رسول الله؟ قال : «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم».
يقول ابن القيم فى شرح الحديث الآنف الذكر : أخبر صلىاللهعليهوسلم أن الفأل من الطيرة وهو خيرها ، فأبطل الطيرة وأخبر أن الفأل منها ، ولكنه خيرها ، ففصل بين الفأل والطيرة لما بينهما من الامتياز والتضاد ، ونفع أحدهما ومضرة الآخر ، ونظير هذا منعه من الرقى بالشرك وإذنه فى الرقية إذا لم تكن شركا لما فيها من المنفعة الخالية من المفسدة ... فقوله صلىاللهعليهوسلم «لا طيرة وخيرها الفأل» ينفى عن الفأل مذهب الطيرة من تأثير أو فعل أو شركة ويخلص الفأل منها وفى الفرقان بينهما فائدة كبيرة وهى أن التطير هو التشاؤم من الشيء المرئى أو المسموع فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره وامتنع بها مما عزم عليها عليه فقد قرع باب الشرك بل ولجه وبرئ من التوكل على الله وفتح على
__________________
(١) النهاية : ٣ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٢) فى الصحيح ١٠ / ٢١٢.
(٣) فى الصحيح ٤ / ١٧٤٥.
(٤) فى المسند ٢ / ٢٦٦ ، ٤٥٣ ، ٥٢٤.