وقال للذى سأله : أى الصدقة أفضل «أما وأبيك لتنبأنه» رواه مسلم (١) ، ونحو ذلك من الأحاديث.
قيل : ذكر العلماء عن ذلك أجوبة :
أحدها : ما قاله ابن عبد البر فى قوله : «أفلح وأبيه إن صدق». هذه اللفظة غير محفوظة ، وقد جاءت عن راويها إسماعيل بن جعفر : «أفلح والله إن صدق» قال : وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ «أفلح وأبيه» لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح ، ولم تقع فى رواية مالك أصلا ، وزعم بعضهم أن بعض الرواة عنه صحف قوله : «وأبيه» من قوله : «والله» (٢).
وهذا جواب عن هذا الحديث الواحد فقط ولا يمكن أن يجاب به عن غيره.
الثانى : أن هذا اللفظ كان يجرى على ألسنتهم من غير قصد للقسم به ، والنهى إنما ورد فى حق من قصد حقيقة الحلف ذكره البيهقى وقال النووى : إنه المرضى.
قلت : هذا جواب فاسد ، بل أحاديث النهى عامة مطلقة ليس فيها تفريق بين من قصد القسم وبين من لم يقصد ، ويؤيد ذلك أن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه حلف مرة باللات والعزى (٣) ، ويبعد أن يكون أراد حقيقة الحلف بهما ، ولكنه جرى على لسانه من غير قصد على ما كانوا يعتادونه قبل ذلك ومع هذا نهاهم النبي صلىاللهعليهوسلم. غاية ما يقال : إن من جرى ذلك على لسانه من غير قصد معفو عنه ، أما أن يكون ذلك أمرا جائزا للمسلم أن يعتاده فكلا. وأيضا فهذا يحتاج إلى نقل أن ذلك كان يجرى على ألسنتهم
__________________
ـ كما هنا.
(١) ٢ / ٧١٦ من حديث أبى هريرة.
(٢) وانظر فى هذا أيضا المغنى لابن قدامة ٨ / ٦٧٨ وفتح البارى ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨.
(٣) سيأتى الحديث فى الصفحة التالية.