قال القاضى عياض : هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم وغيره (١) فى قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق فى صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الّذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره ونهريه واتباع كنوز الأرض له وأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى صلىاللهعليهوسلم ويثبت الله الذين آمنوا.
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة (٢).
قلت : وكما مر بنا فإن عيسى بن مريم عليهالسلام ينزل فيقتله ، ونزول عيسى من جملة عقائد أهل السنة وهو من أشراط الساعة الكبرى فقد روى مسلم (٣) عن حذيفة بن أسيد الغفارى قال : اطلع النبي صلىاللهعليهوسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة فقال : «ما تذاكرون» قالوا : نذكر الساعة. قال : «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم صلىاللهعليهوسلم ...». اه
وقد ذكر العلماء أن فى القرآن إشارة إلى نزوله وذلك فى قول الله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ).
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبى عن هذه الآية فقال : ابن عباس وغيره قالوا عيسى ثم تلا : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (٤).
__________________
(١) روى البخارى أحاديث الدجال فيما يقارب اثنى عشر حديثا.
(٢) مسلم بشرح النووى ١٨ / ٥٨ ، ويراجع ما بعدها إلى ص ٨٨. وانظر فتح البارى ١٣ / ٨٩ ـ ١٠٥.
(٣) فى الصحيح ٤ / ٢٢٢٥.
(٤) سورة النساء / ١٥٧ ـ ١٥٩.