(يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (١) ، ولا يجوز أن يكون الله سبحانه عنى بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) نظر التفكر والاعتبار لأن الآخرة ليست بدار استدلال واعتبار وإنما هى دار اضطرار ولا يجوز أن يكون عنى الانتظار لأنه ليس فى شيء من أمر الجنة انتظار لأن الانتظار فيه تنغيص وتكدير والآية خرجت مخرج البشارة وأهل الجنة فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم فهم ممكنون مما أرادوا وقادرون عليه وإذا خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم وإذا كان ذلك كذلك لم يجز أن يكون الله أراد بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) نظر الانتظار ولأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجوه فمعناه نظر العينين اللتين فى الوجه كما قال تعالى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (٢) ، وأراد بذلك تقلب عينيه نحو السماء ، ولأنه قال : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ونظر الانتظار لا يكون مقرونا ب «إلى» لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا فى نظر الانتظار (إِلى) ألا ترى أن الله عزوجل لما قال : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) لم يقل «إلى» إذ كان معناه الانتظار وقالت بلقيس فيما أخبر الله عنها : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣) ، فلما أرادت الانتظار لم تقل «إلى» قلنا : ولا يجوز أن يكون الله سبحانه أراد نظر التعطف والرحمة ، لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم ، فإذا فسدت هذه الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر وهو أن معنى قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أنها رائية ترى الله عزوجل ، ولا يجوز أن يكون معناه : إلى ثواب ربها ناظرة لأن ثواب الله غير الله وإنما قال الله عزوجل : (إِلى رَبِّها) ولم يقل إلى غير ربها ناظرة والقرآن على ظاهره ... (٤). اه
وفى حقيقة الأمر أن أدلتهم قائمة على فلسفة عقلية ليس لها مجال فى أمور الغيب.
__________________
(١) سورة محمد / ٢٠.
(٢) سورة البقرة / ١٤٤.
(٣) سورة النمل / ٣٥.
(٤) الاعتقاد ص : ٧٤ ـ ٧٥ وانظر : الإبانة ص : ٥٣ والفصل لابن حزم ٣ / ٣ ، وحادى الأرواح ص : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وشرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٠٥.