تركوا الأسباب المشروعة ظنا منهم أن فى الأخذ بها قدحا فى التوكل ، وهذا الفهم جهل بالتوكل ومعناه.
يقول ابن القيم بعد ذكره لعدة أحاديث أمرت بالتداوى.
فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها والأمر بالتداوى وأنه لا ينافى التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها ، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التى نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا ، وأن تعطيلها يقدح فى نفس التوكل كما يقدح فى الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل فإن تركها عجز ينافى التوكل الّذي حقيقته اعتماد القلب على الله فى حصول ما ينفع العبد فى دينه ودنياه ودفع ما يضره فى دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للأمر والحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا (١). اه
وما من شك أن الله سبحانه وتعالى قد كتب لكل إنسان رزقه وما هو مقسوم له فالرزق مضمون وما على المؤمن إلا أن يتوكل على الله عزوجل ويثق به ويتخذ الأسباب المشروعة والمأمور بها لتحصيل ما كتبه الله تعالى له.
وقد يعتقد البعض أن اتخاذ الأسباب المشروعة لا فائدة منه ويقول : إن كان قد قدر لى شيء حصل وإن لم يقدر لم يحصل سواء سعيت أم لم أسع وهذا مفهوم خاطئ فالله سبحانه وتعالى جعل السبب لحصول المطلوب ويقضى الله بحصوله بإذنه إذا فعل العبد السبب وقام به.
يقول ابن الجوزى : وقد تشبث القاعدون عن التكسب بتعللات قبيحة منها أنهم قالوا : لا بد أن يصل إلينا رزقنا وهذا فى غاية القبح فإن الإنسان لو ترك الطاعة وقال : لا أقدر بطاعتى أن أغير ما قضى الله عليّ فإن كنت من أهل الجنة فأنا إلى الجنة أو من أهل النار فأنا من أهل النار. قلنا له : هذا يرد
__________________
(١) زاد المعاد ٣ / ٦٧.