والثالث : أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب.
فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه (١). اه
قلت : ومن أسباب الخوف من الله ومن دواعيه المعرفة بعظيم قدرة الله وسلطانه وقوته ونفاذ مشيئته فى خلقه ، وهذه المعرفة موجبة للخوف منه سبحانه وتعالى لا محالة يقول تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢).
والخوف من الله تعالى يثمر الالتزام بما أمر الله به والانتهاء عما نهى عنه.
فترك المعصية ـ مثلا ـ والإقلاع عن مقارفتها مع قوة الداعى إليها من أعظم أنواع هذا الخوف من الله تعالى لما فى ذلك من مجاهدة النفس ومحاربتها وكبح جماحها ، وهذا ناتج عن العلم واليقين بأن الله عزوجل بكل شيء محيط. وبأنه لا يخفى عليه أحد من خلقه وأنه تعالى مطلع على ظواهرهم وبواطنهم. فمن كان هذا حاله وهو يعلم يقينا أن الله تعالى ناظر إليه سامع ما يقوله لا يغيب عنه لحظة واحدة أورثه هذا العلم الخوف منه والمداومة على طاعته وعدم التجرؤ عليه بالمعاصي وهو يراه وينظر إليه.
وفى الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل ، وشاب نشأ فى عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق فى المساجد ، ورجلان تحابا فى فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» (٣). اه
__________________
(١) طريق الهجرتين ص : ٢٨٣.
(٢) سورة الزمر / ٦٨.
(٣) رواه البخارى ٢ / ١٤٣ ، ومسلم ٢ / ٧١٥.