فالإحجام عن الوقوع فيما حرم الله مع قوة الداعى إليه دليل على كمال الإيمان وامتلاء القلب خوفا من الله تعالى وقد أورثه هذا الخوف هذه المنزلة العظيمة بأن جعله الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله جزاء له على محاربته لشهوته وقمعها مع قوة تسلطها وهذا فى سبيل مرضاة الله تعالى والالتزام بأمره والانتهاء عما نهى عنه.
وفى الختام أقول : إن الخوف من الله سبحانه وتعالى من أعظم الدوافع لمراجعة العبد لنفسه ومحاسبتها وتقويم عمله فى هذه الحياة فإن كان محسنا ازداد وإن كان مسيئا رجع وتاب.
ولا بد مع ما ذكر أن لا يخرج الخوف بصاحبه عن الحد المألوف والصحيح وهو أن يكون باعثا على الالتزام بالأوامر والانتهاء عن النواهى مقترنا بالرجاء وحسن الظن بالله تعالى.
يقول ابن رجب : والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم ، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثا للنفوس على التشمير فى نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات كان ذلك فضلا محمودا ، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضا أو موتا أو هما لازما بحيث يقطع عن السعى فى اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عزوجل لم يكن محمودا ولهذا كان السلف يخافون على عطاء السليمى (١) من شدة خوفه الّذي أنساه القرآن ، وصار صاحب فراش ، وهذا لأن خوف العقاب ليس مقصودا لذاته إنما هو سوط يساق به المتوانى عن الطاعة إليها (٢). ومن هنا كانت النار من جملة نعم الله على عباده الذين خافوه واتقوه ولهذا المعنى عدها الله سبحانه من جملة آلائه على الثقلين فى سورة الرحمن ... ولا ننكر أن خشية الله وهيبته وعظمته فى الصدور وإجلاله مقصود أيضا ، ولكن القدر النافع من ذلك ما كان عونا على التقرب إلى الله بفعل ما يحبه وترك ما يكرهه ومتى صار الخوف مانعا من ذلك وقاطعا فقد انعكس
__________________
(١) البصرى العابد ، من صغار التابعين ، توفى بعد الأربعين ومائة. انظر : حلية الأولياء ٦ / ٢١٥ ، وسير أعلام النبلاء ٦ / ٨٦ ، وتبصير المنتبه ٢ / ٧٤٦.
(٢) لذا ذكر العلماء أنه من الأوفق تغليب الرجاء فى حالة المرض.