قلت : ولا يحسن بالمسلم أن يؤمل العفو من رب العزة والجلال وهو غارق فى المعاصى والذنوب مجترئ على الله تعالى بفعل ما نهى عنه وترك ما أمر به ، فالواجب على المسلم أن يكون بين الخوف والرجاء ، فخوفه من الله يمنعه من معصيته ورجاؤه من الله يورث الطمأنينة فى قلبه ، ورجاء المسلم لا بد أن يكون مبنيا على أساس صحيح وواضح فلا يمكن أن يصح الرجاء ممن أعرض عن سبيل الله القويم واقتحم المعاصى والآثام فإن هذا ليس من باب الرجاء بل من باب العجز والتفريط فلا بد للمسلم من الأخذ بالأسباب الموصلة للنجاة وذلك بالمداومة على طاعة الله والإقلاع عن المعاصى والتوبة منها. ثم يرجو الله ويحسن ظنه به وأنه بإذنه تعالى مجازيه على إحسانه واستقامته قابل لتوبته ، فهذا هو الرجاء الصحيح الّذي يورث صاحبه الاطمئنان والأمن.
يقول ابن القيم : ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ... ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه ، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ، فالذى حمله على العمل حسن الظن فكما حسن ظنه حسن عمله وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز (١).
ويقول أيضا : وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح وإن دعا إلى البطالة والانهماك فى المعاصى فهو غرور وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه جاذبا إلى الطاعة زاجرا له عن المعصية فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء أو رجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) (٢) فتأمل كيف جعل رجاءهم بإتيانهم بهذه الطاعات ... وسر المسألة أن الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التى اقتضتها حكمة الله فى شرعه وقدره
__________________
(١) الجواب الكافى ص : ٢٦ ـ ٢٨.
(٢) سورة البقرة / ٢١٨.