وثوابه وكرامته فيأتى العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ويرجوه أن لا يكله إليها وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه ويصرف ما يعرضها للحبوط ويبطل أثرها.
ويقول أيضا : ومما ينبغى أن يعلم أن من رجا شيئا استلزم رجاؤه ثلاثة أمور :
أحدها : محبته ما يرجوه.
والثانى : خوفه من فواته.
والثالث : سعيه فى تحصيله بحسب الإمكان ، وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأمانى والرجاء شيء والأمانى شيء آخر فكل راج خائف والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن (١).
ويقول أيضا : إن الرجاء حاد يحدو به فى سيره إلى الله ، ويطيب له المسير ويحثه عليه ، ويبعثه على ملازمته ، فلو لا الرجاء لما سار أحد ، فإن الخوف وحده لا يحرك العبد وإنما يحركه الحب ويزعجه الخوف ويحدوه الرجاء (٢). اه
وما دعانى للتوسع فى هذا المبحث هو أهميته حيث نجد البعض يقنط الناس ـ بأسلوبه فى الدعوة ـ من رحمة الله وذلك بإبراز ما يتعلق بعذاب الله ، ولا يبرز الجانب الآخر ظنا منه أن ذلك أصلح الناس ، وهذا قد يؤدى إلى نتائج عكسية ، فإن العبد إذا أذنب ذنبا وعلم أن له ربا كريما محسنا يقبل التوب ويغفر الذنب تاب من ذنبه وأقلع بخلاف اليائس من رحمة الله القانط من مغفرته فإن قنوطه ويأسه سوف يؤدى به إلى الزيادة فى المعاصى واقتحام الذنوب.
وفى قول الله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) منهج عظيم فى هذا الموضوع وعلى الداعى إلى الله أن يضع هذه الآية نصب عينيه فالواجب التنبيه على سعة رحمة الله وعلى شدة عذابه أيضا دون
__________________
(١) نفس المصدر السابق ص : ٤٦ ـ ٤٨.
(٢) مدارج السالكين ٢ / ٥٢.