بمأثور ، ولا يقصد به ملاذ الدنيا. فظاهر كلام الخرقى وجماعة من أصحابنا : أنه لا يجوز ويحتمله كلام أحمد لقوله : ولكن يدعو بما جاء وبما يعرف وحكى عنه ابن المنذر أنه قال : لا بأس يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته وهذا هو الصحيح إن شاء الله لظواهر الأحاديث (١). اه
قلت : والمؤمن إذا استعان بما يتوفر له من أمور الدنيا ووظفه لما ينفعه فى آخرته فهذا محمود أما إن كانت الرغبة فى الدنيا ومطالبها للدنيا ذاتها مع اللهو والانصراف عن الله عزوجل فهذا يختلف والأجدر فى الدعاء أن يكون متوجها الوجهة الصحيحة فإن طلب المال ـ مثلا ـ لا يطلبه لأجل التفاخر والتعالى على خلق الله بل يطلبه ليستعين به على أمر دينه ودنياه وهكذا.
وقد جهل البعض المعنى الكبير للدعاء وزعموا أن الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء والقدر فإن الشيء المدعو به إن كان قد قدر فما فائدة الدعاء ، فلا بد من وقوعه إذن دعا أو لم يدع ولا يخفى بطلان زعمهم هذا.
يقول ابن تيمية : زعم قوم من المبطلين متفلسفة ومتصوفة أنه لا فائدة فيه أصلا فإن المشيئة الإلهية والأسباب العلوية إما أن تكون قد اقتضت وجود المطلوب وحينئذ فلا حاجة إلى الدعاء ، أو لا تكون قد اقتضته وحينئذ فلا ينفع الدعاء.
وقال قوم : بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول لا ارتباط السبب بالمسبب بمنزلة الخبر الصادق والعلم السابق ، والصواب ما عليه الجمهور من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب أو غيره كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة وسواء سمى سببا أو شرطا أو جزءا من السبب فالمقصود هنا واحد فإذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه دعاءه والاستعانة به وجعل استعانته ودعاءه سببا للخير الّذي قضاه له (٢). اه
قال الخطابى : ومن أبطل الدعاء : فقد أنكر القرآن ، ورده ولا خفاء بفساد قوله ، وسقوط مذهبه (٣). اه
__________________
(١) المغنى ١ / ٥٤٦ ـ ٥٤٩.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص : ٣٥٨.
(٣) شأن الدعاء ص : ٩ ، وانظر ما ذكره ابن القيم فى مدارج السالكين ٣ / ١٠٦ ـ ١١٠ حول هذا الموضوع.