ويجدر التنبيه إلى مسألة مهمة فى الدعاء وهو ما يحدث من البعض من صرف الدعاء إلى غير الله تعالى وهذا شرك ، فالدعاء عبادة بل هو من أعظم العبادات وأجلها وصرفه لغير الله تعالى هو من أعظم الشرك ، فالمدعو لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر وإن لم يكن كذلك فدعاؤه وسؤاله من أعظم الشرك وأبطل الباطل ولا يملك النفع والضر إلا الله سبحانه وتعالى فلزم من ذلك أن يكون هو سبحانه المدعو دون سواه والمؤمل فى حصول النفع ودفع الضر دون غيره ، فمن توجه إلى غير الله بالسؤال والرجاء والطلب فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك قال تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) (١) ويقول تعالى : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢) ويقول جل ذكره : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (٣).
يقول ابن القيم : الدعاء نوعان : دعاء العبادة ودعاء المسألة ، فإن الدعاء فى القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان ، فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعى وطلب كشف ما يضره أو دفعه ، وكل من يملك الضرر والنفع فإنه هو المعبود حقا ، والمعبود لا بدّ أن يكون مالكا للنفع والضر ، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا ... وهذا فى القرآن كثير. بين أن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر فهو يدعى للنفع والضر دعاء مسألة ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة فعلم أن النوعين متلازمان ، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكل دعاء مسألة مستلزم لدعاء العبادة (٤).
__________________
(١) سورة الأحقاف / ٥٠.
(٢) سورة يونس / ١٠٦ ، ١٠٧.
(٣) سورة فاطر / ١٣.
(٤) بدائع الفوائد ٣ / ٤٠٣.