ممن سلف الرخصة فيه إنما يعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد بهم.
ومن حكى شيئا من ذلك عن مالك فقد أبطل ... وقد قال الإمام أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع قال : سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إنما يفعله عندنا الفساق (١) وكذا قال إبراهيم بن المنذر الحزامى وهو من علماء المدينة (٢) فتبين بهذا موافقة علماء أهل المدينة المعتبرين لعلماء سائر الأمصار فى النهى عن الغناء وذمه ومنهم القاسم بن محمد وغيره كما هو قول علماء أهل مكة كمجاهد وعطاء وعلماء أهل الشام كمكحول والأوزاعى وعلماء أهل مصر كالليث بن سعد ، وعلماء أهل الكوفة كالثورى وأبى حنيفة ومن قبلهما كالشعبى والنخعى وحماد ومن قبلهم من التابعين أصحاب ابن مسعود وقول الحسن وعامة أهل البصرة وهو قول فقهاء أهل الحديث كالشافعى وأحمد وإسحاق وأبى عبيد وغيرهم وكان الأوزاعى يعد قول من رخص فى الغناء من أهل المدينة من زلات العلماء التى يؤمر باجتنابها وينهى عن الاقتداء بها.
وقد صنف القاضى أبو الطيب الطبرى الشافعى رحمهالله مصنفا فى ذم السماع وافتتحه بأقوال العلماء فى ذمه وبدأ بقول الشافعى ... ثم قال : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهته والمنع منه قال : وإنما فارق الجماعة هذان الرجلان : إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبرى فالمصير إلى قول الجماعة أولى.
وهذا الخلاف الّذي ذكره فى سماع الغناء المجرد.
فأما سماع آلات اللهو فلم يحك فى تحريمه خلاف وقال : إن استباحتها فسق قال : وإنما يكون الشعر غناء إن لحن وصيغ صيغة تورث الطرب وتزعج القلب وتثير الشهوة الطبيعية (٣).
__________________
(١) أخرجه أبو بكر الخلال فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص : ٩٩.
(٢) أخرجه أبو بكر الخلال أيضا. نفس المصدر.
(٣) نزهة الأسماع ص : ٥٧ ـ ٦٤.