رجل مات وترك ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبى إلى بيعها. فقال : لا تباع على أنها مغنية فقيل له إنها تساوى ثلاثين ألف درهم ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوى عشرين دينارا فقال : لا تباع على أنها ساذجة.
وهذا دليل على أن الغناء محظور إذ لو لم يكن محظورا ما أجاز تفويت المال على اليتيم ، وصار هذا كقول أبى طلحة للنبى صلىاللهعليهوسلم : عندى خمر لأيتام فقال : أرقها (١). فلو جاز استصلاحها لما أمره بتضييع أموال اليتامى .. فبان أن الروايتين عن أحمد فى الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات ...
فأما الغناء المعروف اليوم فمحظور عنده كيف ولو علم ما أحدث الناس من الزيادات (٢). اه
قلت : أما آلات الملاهى ـ كالمعازف الموجودة سابقا والمحدثة فهى محرمة بنص الحديث الصحيح الّذي رواه البخارى فى صحيحه إذ قال : «قال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية ابن قيس الكلابى حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعرى قال : حدثنى أبو عامر أو أبو مالك الأشعرى ـ والله ما كذبنى : سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم ـ يعنى الفقير ـ لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» (٣).
قال ابن رجب : هكذا ذكره البخارى فى كتابه بصيغة التعليق المجزوم به والأقرب أنه مسند فإن هشام بن عمار أحد شيوخ البخارى وقد قيل : إن البخارى إذا قال فى صحيحه : قال فلان ولم يصرح بروايته عنه وكان قد سمعه منه فإنه يكون قد أخذه عنه عرضا أو مناولة أو مذاكرة وهذا كله لا يخرجه
__________________
(١) رواه أحمد ـ وغيره ـ انظر : الفتح الربانى ١٧ / ١٤٠.
(٢) تلبيس إبليس ص : ٢٢٨ ـ ٢٢٩. وانظر : إغاثة اللهفان ص : ٢٣٠ ، ونزهة الأسماع فى تحريم السماع لابن رجب ص : ٧٢ ـ ٧٣.
(٣) فتح البارى ١٠ / ٥١.