وإذا قدر خلوها عن ذلك كله فالمنقول عن الصحابة المنع من ذلك وصح عن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وذكر الخبر ثم قال : والمنقول عن أبى حنيفة وأصحابه وأحمد وأصحابه تحريمها.
وأما الشافعى فإنه قال : أكره اللعب بها للخبر ، واللعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهناه أخف حالا من النرد ، وهكذا نقل عنه غير هذا اللفظ مما مضمونه : أنه يكرهها ، ويراها دون النرد ، ولا ريب أن كراهته كراهة تحريم فإنه قال للخبر ، ولفظ الخبر الّذي رواه هو عن مالك : «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله» ... وقد نقل عنه أنه توقف فى التحريم وقال : لا يتبين لى أنها حرام وما بلغنا أن أحدا نقل عنه لفظا يقتضي نفى التحريم.
وقد تنازع الجمهور هل يسلم على اللاعب بالشطرنج؟ فمنصوص أبى حنيفة وأحمد والمعافى بن عمران وغيرهم : أنه لا يسلم عليه ، ومذهب مالك وأبى يوسف ومحمد : أنه يسلم عليه. ومع هذا فإن مذهب مالك أن الشطرنج شر من النرد ، ومذهب أحمد أن النرد شر من الشطرنج ، كما ذكره الشافعى. والتحقيق فى ذلك أنهما إذا اشتملا على عوض أو خلوا عن عوض فالشطرنج شر من النرد. لأن مفسدة النرد فيها وزيادة مثل صد القلب عن ذكر الله وعن الصلاة وغير ذلك ... واشتغال القلب بالتفكير فى الشطرنج أكثر ، وأما إذا اشتمل على عوض فالنرد شر ، لاستشعارهم أن العوض يكون فى النرد دون الشطرنج (١). اه
قلت : وخلاصة القول إن من أقوى ما استدل به من ذهب إلى تحريم الشطرنج مطلقا هو القياس فقد قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
فهذه العلل متحققة فى الغالب فيمن يمارس هذا الأمر ، وأيضا التصريح
__________________
(١) مجموع الفتاوى ٣٢ / ٢١٦ ـ ٢٢٠. وانظر : المغنى لابن قدامة ٩ / ١٧١ ـ ١٧٢.