سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ثم إنه قد يتعين كما إذا كان فى موضع لا يعلم به إلا هو أولا يتمكن من إزالته إلا هو.
قال العلماء : ولا يسقط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لكونه لا يفيد فى ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين وإن الّذي عليه : الأمر والنهى لا القبول كما قال الله عزوجل : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) (١) (٢).
قال العلماء : ولا يشترط فى الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به والنهى وإن كان متلبسا بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان : أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر.
قال العلماء : ولا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين. قال إمام الحرمين : والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة فى الصدر الأول والعصر الّذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم. اه
ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه ، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه لأن على أحد المذهبين : كل مجتهد مصيب ، وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم ، وعلى المذهب الآخر : المصيب واحد والمخطئ غير متعين لنا والإثم مرفوع عنه لكنه إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب
__________________
(١) سورة النور / ٥٤ ، وسورة العنكبوت / ١٨.
(٢) قال شيخ الإسلام فى اقتضاء الصراط المستقيم ص : ٤٥ : «ثم لو فرض أنا علمنا أن الناس لا يتركون المنكر ولا يعترفون بأنه منكر : لم يكن ذلك مانعا من إبلاغ الرسالة وبيان العلم بل ذلك لا يسقط وجوب الإبلاغ ولا وجوب الأمر والنهى فى إحدى الروايتين عن أحمد وقول كثير من أهل العلم.