منتهى (١) ، ولا يدرك بعقل (٢) ، وهو وجه كله ، وهو علم كله ، وهو سمع كله ، وهو بصر كله ، وهو نور كله ، وهو قدرة كله ، ولا يكون شيئين مختلفين ، ولا يوصف بوصفين مختلفين (٣) ، وليس له أعلى ولا أسفل ، ولا نواحى ولا جوانب ، ولا يمين ، ولا شمال ، ولا هو خفيف ولا ثقيل ، ولا له لون ، ولا له جسم (٤) وليس بمعلوم أو معقول وكلما خطر بقلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه (٥).
قال أحمد : فقلنا : فهو شيء ، قالوا : هو شيء لا كالأشياء ، فقلنا : إن الشيء الّذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل : أنه لا شيء. فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئا ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة (ق ١٢ / أ) بما يقرون من العلانية.
فإن قيل لهم : فمن تعبدون؟ قالوا : نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ، قلنا : فهذا الّذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة ، قالوا : نعم قلنا : فقد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا ، وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون.
وقلنا لهم : هذا الّذي يدبر هو الّذي كلم موسى؟ قالوا : لم يتكلم ولا يتكلم (٦) ، لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة ، والجوارح عن الله منفية.
فإذا سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد الناس تعظيما لله سبحانه ، ولا يشعر أنهم يعود قولهم إلى فرية فى الله ، ولا يعلم أنهم إنما يعود قولهم إلى ضلالة وكفر. اه
__________________
(١) راجع مسألة الحد ، ج : ١ / ٣٤٢.
(٢) إن كان المراد الإدراك التصورى فهو أمر متفق عليه جل جلاله لا تدركه ولا تتصوره العقول.
(٣) تقدم التعليق على بعض هذه الصفات فراجعه.
(٤) هذه أمور يجب السكوت عنها وترك الخوض فيها فلا ننفى ولا نثبت وكيف ننفى أو نثبت شيئا خارجا عن المعرفة.
(٥) لا شك أنه جل وعلا خلاف كل متخيل. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وما قدمته يؤيده قول الإمام أحمد. انظر ج : ١ / ٢٧٦. وسيأتى مراد الإمام أحمد فى الكلام نفسه.
(٦) فى بعض النسخ «ولا يكلم».