ثم قال :
فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة ، وكذلك العلماء الذين فى عصره ....
قال أحمد : أما الجمعة فينبغى شهودها ، فإن كان الّذي يصلى منهم أعاد ، وروى عنه أنه قال : من أعادها فهو مبتدع.
وهذا يدل على عمومه على أنها لا تعاد خلف فاسق ولا مبتدع لأنها صلاة أمر بها فلم تجب إعادتها كسائر الصلوات ، فإذا كان المباشر لها عدلا ، والمولى له غير مرضى الحال لبدعته أو فسقه لم يعدها نص عليه ، وقيل له : إنهم يقولون : إذا كان الّذي وضعه يقول بقولهم فسدت الصلاة ، قال : لست أقول بهذا ، ولأن صلاته إنما ترتبط بصلاة إمامه ، فلا يضر وجود معنى فى غيره ، كالحدث أو كونه أميا ، وعنه تعاد والصحيح الأول (١) اه
وبعد هذا العرض المفصل لمذهب الإمام أحمد على ضوء ما نقل عنه من روايات أقول : إن الظاهر من عموم الروايات عنه أن الصلاة خلف الفساق جائزة ، وأن فسقهم لا يمنع من الصلاة خلفهم ، وهذا هو الّذي عليه عامة السلف ، وقد صلى بعض الصحابة كابن عمر وابن مسعود وغيرهم خلف أئمة فساق.
يقول شارح الطحاوية : والفاسق والمبتدع صلاته فى نفسها صحيحة ، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب ، ومن ذلك : أن من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين ، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب ، فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا ، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك فى إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهى الناس عن مثل ذنبه : فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فى ذلك مصلحة شرعية ، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة. وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضى الله عنهم ، وكذلك
__________________
(١) المغنى : ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٩.