والثانى : فى إثبات الكفر الباطن.
وأما الطرف الثانى : فهو مبنى على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا فى قلبه ، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدى لله زكاة ولا يحج إلى بيته ، فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق فى القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح (١). اه
وفى حالة استتابته وعدم رجوعه هل يلحق تارك الزكاة والصوم والحج بتارك الصلاة فى وجوب قتله على قول من قال بقتله أعنى إذا أقر ولم يقم بها.
يقول ابن القيم : فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد :
إحداها : يقتل بترك ذلك كله كما يقتل بترك الصلاة. وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مبانى الإسلام ، فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ، ولهذا قاتل الصديق مانعى الزكاة وقال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، إنها لقرينتها فى كتاب الله وأيضا فإن هذه المبانى من حقوق الإسلام والنبي صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها ، وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق الإسلام. فهذا قتال للفئة الممتنعة ، والقتل للواحد المقدور عليه إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال.
والرواية الثانية : لا يقتل بترك غير الصلاة ، لأن الصلاة عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ، ولقول عبد الله بن شقيق : كان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة (٢). ولأن الصلاة قد اختصت ـ من سائر الأعمال ـ بخصائص ليست لغيرها : فهى أول ما فرض الله من الإسلام ، ولهذا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم نوابه ورسله أن يبدءوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين فقال لمعاذ : «ستأتى قوما من أهل الكتاب ، فليكن
__________________
(١) مجموع الفتاوى : ٧ / ٦١٠ ـ ٦١١.
(٢) رواه عنه : الترمذي ٥ / ١٤ والمروزى فى تعظيم قدر الصلاة ٢ / ٩٠٤ ـ ٩٠٥.