باب بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن (١)
قال أحمد فى قول الله عزوجل : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٢).
قالت الزنادقة : فما بال جلودهم التى عصت قد احترقت ، وأبدلهم الله جلودا غيرها؟ فلا نرى إلا أن الله يعذب جلودا لم تذنب ، حين يقول : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ، فشكوا فى القرآن ، وزعموا أنه متناقض.
فقلت : إن قول الله عزوجل : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ليس يعنى جلودا غير جلودهم ، وإنما يعنى بدلناهم جلودا غيرها ، تبديلها تجديدها ، لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله ، وذلك لأن القرآن فيه خاص وعام ، ووجوه كثيرة ، وخواطر يعلمها العلماء(٣).
وأما قول الله عزوجل : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٤) ثم قال فى آية أخرى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٥) فقالوا : كيف يكون هذا من الكلام المحكم. قال : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ). ثم قال فى موضع آخر : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ
__________________
(١) روى مسلم ١ / ٢٠٥٣ عن عائشة رضى الله عنها قالت : تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».
(٢) سورة النساء / ٥٦.
(٣) وانظر تفسير الطبرى ٥ / ١٤٢ وابن كثير ١ / ٥٤٦ والشوكانى ١ / ٤٧٩.
(٤) سورة المرسلات / ٣٥.
(٥) وانظر الزمر / ٣١.