أحد فى الدنيا دون الآخرة فقال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعنى فى الدنيا ، وأما فى الآخرة فإنهم يرونه.
فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).
وأما قول موسى : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) وقال السحرة : (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى قوله : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (٤).
فقالوا : كيف قال موسى : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وقد كان قبله إبراهيم مؤمنا ويعقوب وإسحاق ، فكيف جاز لموسى أن يقول : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) قالت السحرة : (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) وكيف جاز للنبى أن يقول : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) وقد كان قبله مسلمون كثير ، مثل عيسى ومن تابعه فشكوا فى القرآن وقالوا : إنه متناقض.
أما قول موسى : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) فإنه حين قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال الله تعالى : (لَنْ تَرانِي) ولا يرانى أحد فى الدنيا إلا مات. (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) فلما أفاق قال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (ق ٨ / أ) يعنى أول المصدقين أنه لا يراك أحد فى الدنيا إلا مات. وأما قول السحرة : (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى أول من صدق بموسى من أهل مصر من القبط. وأما قول النبي صلىاللهعليهوسلم : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) يعنى من أهل مكة.
__________________
(١) وانظر تفسير الطبرى ٧ / ٢٩٩ و ١٤ / ١٩١ وابن كثير ٢ / ١٧٤ و ٤ / ٤٧٧ والشوكانى ٢ / ١٤٨ و ٥ / ٣٣٨ وسيأتى مزيد تفصيل حول هذه الآيات الكريمات عند قول الإمام أحمد فى رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ٢ / ١٤٥.
(٢) سورة الأعراف / ١٤٣.
(٣) سورة الشعراء / ٥١.
(٤) سورة الأنعام / ١٦٢ ، ١٦٣.