على الاشتغال فهذا الكلام ليس بتمام والاعراض عنه أولى فإنّ مسئلة امكان التعبد بالظن كاد أن يلحق بالبديهيات فلا بد من الرجوع الى البحث عن المرحلة الثانية أعني الوقوع وعدمه.
وقد أفاد الشيخ قدسسره أنّه لا بد قبل الورود في البحث من تأسيس أصل يكون مرجعا في المقام (١) وانه هل هو الوقوع إلّا ما خرج أو عدم الوقوع إلّا ما خرج فإنّ بعض الظنون منهي عنها كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وبعضها معتبرة كالبينة وفتوى المفتي ونحوهما (بناء على أفادتها الظن النوعي فتكون حجة) فمركز البحث الظنون المشكوك اعتبارها.
وقد ذكر قدسسره أن الأصل الأولي هو الحرمة (٢) واستدل عليه بالأدلة الأربعة ـ أما الكتاب فلقوله تعالى (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(٣) حيث دلّ على أن ما ليس بإذن من الله من اسناد الحكم الى الشارع فهو افتراء عليه سبحانه.
وفيه. انّ ما تدل عليه الآية الشريفة إنّما هو عدم جواز الافتاء بغير علم ولا تدل على أن الأصل هو اعتبار الظن أو عدمه فإن قيل باعتباره من دون علم فهو افتراء وإن قيل بعدم اعتباره من دون علم فهو أيضا افتراء فتدل الآية على أن الأمر المجهول لا يجوز الاقتحام فيه والحكم به ما دام مجهولا فلا دلالة لها على عدم اعتبار الظن وهذا كالظن في أفعال الصلاة مثلا اذا ظن بأنه سجد سجدتين مع بقاء المحل فهذا الظن الفعلي مردد بين اعتباره وعدمه فعلى فرض الاعتبار يلزم أن يكون أتى بسجدتين فعليه المضيّ ولكن المحل لم يتجاوز بعد وعلى الثاني فلا بد من الاتيان بسجدة أخرى وربما أتى بسجدتين فتكون هذه سجدة ثالثة فلذا احتاط بعضهم بأنّه
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ١ ، ص ١٢٣.
(٢) نفس المصدر : ج ١ ص ١٢٣.
(٣) سورة يونس : آية ٥٩.