ولو كان كذلك (بالفرض المحال) لزم أيضا أن تكون الأحكام كلها ضرورية فان الخطاب اللفظي من المسموعات فيدخل في المحسوسات. ولو كانت ضرورية لما احتاجت حتى الى النظر والاستدلال مع أن موردهما هي الجهات النظرية لا الضرورية. الى غير ذلك من التوالي الفاسدة المترتبة على ذلك.
ثم انه قدسسره قال : واستراح الأشاعرة بجعل الحكم هو الكلام النفسي والدليل هو اللفظي ورد قدسسره عليه بأنه مع أن الكلام النفسي فاسد في أصله ان الكتاب مثله حينئذ كاشف عن المدعى لا أنه مثبت للدعوى فلا يكون دليلا في الاصطلاح (١).
أقول. يلزم أولا بيان ما سماه الأشاعرة كلاما نفسيا مع الوجه في القول به ثم البحث في انه هل يمكن أن يستريحوا به عن الاشكال؟ ثم بيان ما هو الحق في الجواب. فنقول :
ذكروا ان من جملة صفات الباري عزّ اسمه كونه متكلما (٢) والمتكلم في الأصل فاعل ويطلق الفاعل على من قام به المبدا فالمتكلم هو من قام به التكلم وعليه فيصدق ان يقال أنه سبحانه وتعالى قام به التكلم مع ان التكلم فعل يحدث ويزول ويصدر وينقضي وذلك مستلزم للقول بأن الله محل للحوادث وهو غير معقول فلذا ذهبت الأشاعرة الى أن المراد بالكلام في المقام هو الكلام النفسي وقالوا انه مدلول للكلام اللفظي وهو أمر مغاير للعلم والارادة والكراهة والخبر والانشاء وقد قال شاعرهم : ان الكلام لفي الفؤاد وانّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
وبعبارة أخرى أنهم قد تصرفوا في صغرى القياس فذهبوا الى أن الكلام لفظي ونفسي والمناسب للصقع الربوبي هو الثاني وهو قديم فلا يلزم قيام الحادث
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) يراجع الكتب الكلامية كشروح التجريد وغيرها.