فلنرجع الى المقصود ونقول :
أما حديث المسح على بعض الرأس. فهو أيضا لا يعارض الأخبار السابقة الواردة في كلام الشيخ قدسسره فان في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(١) قد أتى بحرف الجر مع انّ الفعل متعد وقد وقع الخلاف بين أهل العربية في ورود حرف الباء للتبعيض فانكره سيبويه وجماعة فهل ان قوله عليهالسلام : لمكان الباء. يفيد انّ الباء ورد لعدة معان لكن أريد منه معنى التبعيض في المقام؟ لو كان كذلك كان اللازم نصب القرينة.
وقد أفاد بعض المحققين ان وضع الباء ليس للتبعيض ولهذا قال عليهالسلام : لمكان الباء ولم يقل : للباء فيكون المعنى انّه قد أتى بحرف الجر ـ في الآية الشريفة ـ في مكان ليس بلازم وهذا يدل على انّ في المقام نوع ارتباط فإنّ الباء للالصاق واذا تعلق الفعل بما بعده ظهر منه الاستيعاب ، كأن يقال : امسحوا رءوسكم فيكون المسح على تمام الرأس لكن اذا ورد الباء الذي هو للالصاق والربط فيكفي فيه أدنى ملابسة وربط وهو المسح ببعض الرأس ولهذا قال سبحانه : (امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وحينئذ يتم المعنى في الآية الشريفة حتى لو لم نقل بأن الباء للتبعيض. والحال كذلك في اللغة الفارسية أيضا فإذا قال القائل (سرت را مسح كن) يظهر منه لزوم مسح تمام الرأس واذا قال (بر سرت مسح كن) يظهر منه كفاية المسح على بعض الرأس.
فهذا هو الذي يتحصل من الآية الشريفة ولا يدل ذلك على حجية الظواهر كما يزعمه الشيخ الأعظم قدسسره وتمسك بأن الامام عليهالسلام أرجع زرارة الى ظاهر الآية.
بل يمكن ان يقال بأنّ الرواية تدل على العكس من ذلك فإنّ هذا المطلب المنطوى في الآية الشريفة كان عليه غطاء وقناع وقد كشفه الامام عليهالسلام لزرارة وبه تتم الحجة على العامة فإنّه مع انّ الميزان في كشف المراد من الآية هو قواعد العربية إلّا
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٦.