فالمتحصل انّ الصوم كما أفاد الصاحب بن عباد في المحيط والخليل في العين عبارة عن ترك الطعام والكلام وباقي الأقسام إنّما هي أفراد للمعنى المذكور تنزيلا والمفطرات المقررة في الشريعة بعضها موانع وبعضها شروط ولا دخل لها في النية.
وأما السؤال الثاني : فيظهر الجواب عنه مما ذكرناه بأن يقال : انّ الأعمال على قسمين قسم يجازي الله عليها من دون واسطة بل بذاته المقدّسة وقسم يجازي عليها لا كذلك. والصوم لكونه عبادة شريفة عظيمة فهو من القسم الأوّل كما عرفت من كلام صاحب المجمع. وفيه. أيضا انّ هذا بيان لكثرة الصواب فراجع وقد ورد في مطاوي الروايات الواردة في مواضيع متفرقة ما يؤيد هذا المعنى.
الأمر الثاني
ذهب بعضهم إلى أن الصوم أمر عدمي يعتبر فيه قصد التقرب ولا منافات بين كونه عدميا وكونه عبادة فيمكن الجمع بين الأمرين.
ولكنه ذهب بعض المحققين الى انّه لو كان الصوم أمرا عدميا لكان عبارة عن النهي عن الأكل والشرب وغيرهما لا أن يكون أمرا بالصوم فحيث انّه تعلق الأمر الشرعي به والعدم ليس بشيء ولا يقبل شيئا في حد ذاته فهو أمر وجودي. والمفسدة والمصلحة في الوجود لا في العدم ـ هذا أولا.
وثانيا ـ انه لو كان عدميا لزم انقلاب العدمي إلى الوجودي إذا أكل في أثنائه سهوا ـ لا يقال : ان ذلك معفو عنه ـ فإنّ في الروايات ما يؤيد خلاف ذلك كما في قوله عليهالسلام : رزق رزقه الله. أو رزق ساقه الله إليه. فالصوم باق بحاله وهذا يدل على انّه ليس عدميّا. بل هو أمر وجودي عبارة عن الحمية والاتقاء وذلك لا ينافيه وجود خلاف فيه في الخارج كما هو الحال في العدالة فإنّها ملكة نفسانية ولا تزول