فينبغي تحقيق معنى الاستعمال لتتضح حقيقة الحال. فنقول :
ان مفروض الكلام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس فيكون أطرافه بمنزلة أطرافه فإنّ التصرف الحسي على أفراد من الملك يتحقق بالقاء حبل على غارب المملوك والأخذ بطرف الحبل وهذا بالنسبة الى المالك يسمى ملك اليمين وبالنسبة الى المملوك يسمى ملك الرقبة فانّ للمالك سلطنة على المملوك وإحاطة فقد شبّه التصرف والملك المعنوي بالحسي وهذا مخصوص بمسألة الملك وما يرتبط به من الفك والتحرير والعتق دون مثل الذهاب والاياب والتعلم والتعليم وغير ذلك فلا يطرد فيها.
فإن قلت. فالرقبة بناء على ما ذكر لم تستعمل إلّا في معناه الحقيقي وانّما الملك الذي يسند الى الشخص قد أسند هنا الى الرقبة فما الوجه في اسناد الايمان اليها في قوله سبحانه وتعالى : (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لوضوح انه صفة لا ارتباط لها بالملكية؟
قلت. لما كان اسناد العتق الى الرقبة نازلا منزلة الشخص فلنزول الايمان أيضا منزلته مجال فهذا تجوز في الاسناد يعني اسناد الشيء الى غير من هو له بعد تنزيله منزلته.
فإن قلت. لو كان المقام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزم صحة استعمال ما يرادف الرقبة من جيد وعنق ونحوهما مكانها مع ان ذلك لا يصح.
قلت. إنّا لا نسلم وقوع الترادف في اللغة بل كل ما يعدّ من المترادفات انّما هي ألفاظ متقاربة المعنى يفترق كل منها عن غيرها في خصوصية (١) فاختصاص الرقبة بالملك انّما هو بملاحظة خصوصيات في الرقبة لا توجد في ما يقاربها من الألفاظ منها امتيازها عن غيرها بمصاحبتها معنى الاحاطة والسلطة والتفوق على صاحبها وهذا
__________________
(١) راجع للتعرف على ذلك مبحث الترادف في هذا الكتاب ، ص ٩١.