الباب الثامن
في الوصل والفصل
تمهيد
العلمُ بمواقع الجمل ، والوقوف على ما ينبغي أن يُصنع فيها من العطف والاستئناف ، والتهدي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها أو تركها عند عدم الحاجة اليها صعب المسلك ، لا يُوفّق للصواب فيه إلاّ من أوتى قسطاً موفوراً من البلاغة ، وطبع على إدراك محاسنها ، ورُزق حظا من المعرفة في ذوق الكلام ، وذلك لغموض هذا الباب ، ودقة مسلكه ، وَعظيم خطره؟ وكثير فائدته : يدل لهذا ، أنهم جعلوه حدَّا للبلاغة فقد سئل عنها بعض البُلغاء ، فقال : هي معرفة الفصل والوصل.
تعريف الوصل والفصل في حدود البلاغة
الوصل عطف جملة على أخرى بالواو ، والفصل ترك هذا العطف (١) بين الجملتين ،
__________________
(١) إذا توالت الجملتان ، لا يخلو الحال من أن يكون ، للأولى محل من الأعراب أولا ، وان كان لها محل من الاعراب فلا بد من أن يقصد تشريك الثانية لها في حكم الاعراب أولا ، فان قصد التشريك عطفت الثانية عليها نحو الله يحيى ويميت ، وإلا فصلت عنها نحو «قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزىء بهم. لم يعطف قوله الله يستهزىء بهم على ما قبله لئلا يشاركه في حكم المفعولية للقول وهو ليس مما قالوه