والمجىء بها منثورة ، تستأنف واحدة منها بعد الأخرى فالجملة الثانية : تأتي في الاساليب البليغة مفصولة أحياناً ، وموصولة أحياناً.
فمن الفصل ، قوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئةُ إدفع بالتي هي أحسنُ) فجملة ادفع مفصولة عمّا قبلها ، ولو قيل : وادفع بالتي هي أحسن ، لما كان بليغاً.
ومن الوصل قوله تعالى «يأيُها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» عطف جملة : وكونوا على ما قبلها ولو قلت : اتقوا الله كونوا مع الصادقين ، لما كان بليغاً.
فكلّ من الفصل والوصل يجىء لأسباب بلاغيَّة. ومن هذا يُعلم أنّ الوصل جمع وربط بين جُملتين بالواو خاصة لصلة بينهما في الصورة والمعنى : أو لدفع اللَّبس.
والفصل : ترك الربط بين الجُملتين ، إمَّا لأنهما مُتحدتان صورة ومعنى ، أو بمنزلة المتحدتين ، وإمَّا لأنه لا صلة بينهما في الصورة أو في المعنى.
__________________
كما سياتي ، وإن لم يكن لها محل من الاعراب ، فان كان لها حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية وجب الفصل ، دفعا للتشريك بينهما ، نحو (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، الله يعلم ما تحمل كل أنثى) ، لم يعطف قوله الله يعلم على ما قبله لئلا يشاركه في حكم القصر فيكون تعالى مقصوراً على هذا العلم ، وإن لم يكن لها ذلك الحكم نحو : زيد خطيب وعمرو متشرع أو قصد إعطاء حكمها للثانية نحو إنما زيد كاتب وعمرو شاعر ، وجب الوصل كما رأيت ما لم تكن إحدى الجملتين مطلقا منقطعة عن الأخرى انقطاعا كاملا بحيث لا يصلح ارتباطهما أو متصلة بها اتصالا كاملا بحيث لا تصح المغايرة بينهما ، فيجب الفصل لتعذر ارتباط المنقطعتين بالعطف وعدم افتقار المتصلتين إلى ارتباط به ، ويحمل شبه كل واحد من الكمالين عليه فيعطي حكمه ، وأعلم أنه لا يقبل في العطف إلا عطف المتناسبات مفردة أو جملا بالواو أو غيرها ، فالشرط وجود جهة جامعة بين المتعاطفات ، فنحو الشمس والقمر والسماء والأرض ، محدثة مقبول ونحو الشمس والأرنب والحمار ، محدثة غير مقبول لكن اصطلاحهم اختصاص الوصل والفصل بالجمل وبالواو ، فلا يحسن الوصل الا بين الجمل المتناسبة لا المتحدة ولا المتباينة ، والأفضل.
واعلم أنه إن وجدت الواو بدون معطوف عليه قدر مناسب للمقام نحو (أو كلما عاهدوا عهداً) فتقدر (أكفروا وكلما عاهدوا) لأن الهمزة تستدعي فعلا.