فمثال الخبريتين قوله تعالى (إنَّ الأبرار لفي نعيم (١) وإن الفجار لفي جحيم) ومثال الانشائيتين قوله تعالى (فادعُ واستقم كما أمرت) وقوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) ، وصل جملة «ولا تشركوا» بجملة «واعبدوا» لاتحادهما في الانشاء ، ولأن المطلوب بهما مما يجبُ على الانسان أن يؤدِّيه لخالقه ، ويختصَّه به ومن هذا النوع قول المرحوم شوقي بك :
عالجوا الحِكمة واستشفوا بها وانشدوا ما حلّ منها في السِّير
فقد وصل بين ثلاث جمل ، تتناسب في أنها مما يتعلق بأمر الحكمة وبواجب الشباب في طلبها ، والانتفاع بها.
ومثال المختلفين ، قوله تعالى (إني أشهدُ اللهَ ، واشهدوا أنى برىءٌ ممّا تشركون) أي : إني اشهدُ اللهَ وأشهدُكُم (٢) ، فتكون الجملة الثانية في هذه الآية : إنشائية لفظاً ، ولكنّها خبرية في المعنى (٣) ونحو : إذهب إلى فلان ، وتقول له كذا ، فتكون الجملة الثانية من هذا المثال خبرية لفظاً ، ولكنها إنشائية معنى «أي : وقل له». فالاختلاف في اللفظ ، لا في المعنى المعُول عليه ، ولهذا وجب الوصل وعطف الجملة الثانية على الأولى لوجود الجامع بينهما ، ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما ، وكل من الجملتين لا موضع له من الإعراب.
__________________
(١) في هذا الكلام جملتان خبريتان وصلت الثانية بالأولى لأن بين الجملتين تناسباً في الفكر ، فاذا جرى في الذهن حال أحد الفريقين تصور حال الفريق الآخر.
(٢) والداعي لذكر الجملة الثانية إنشائية ن ولم نذكر كالأولى خبرية ، لأجل التحاشي عن مساواة شهادتهم بشهادته عز وجل ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
(٣) اعلم أن صور الجملتين ثمانية ، لأنهما (إما خبريتان) لفظا ومعنى ، أو معنى لا لفظاً أو الأولى جملة خبرية معنى لا لفظاً أو بالعكس.
(وإما انشائيتان) لفظاً ومعنى ، أو معنى لا لفظا ، أو الأولى جملة خبرية صورة والثانية إنشائية ، أو بالعكس كما مثلنا.