الصور بليغاً : إلا إذا كان مطابقاً لمُقتضى حال المخاطب.
فاذا كان المقام للأطناب مثلا ، وعدلت عنه إلى : الايجاز ، أو المساواة لم يكن كلامك بليغاً وفي هذا الباب ثلاثة مباحث.
المبحث الأول
في الإيجاز وأقسامه
الايجاز : هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل (١) منها ، وافية بالغرض المقصود ، مع الإبانة والإفصاح ، كقوله تعالى : (خذ العفو وأمرُ بالعرف وأعرض عن الجاهلين). فهذه الآية القصيرة جمعت مكارم الأخلاق بأسرها ـ وكقوله تعالى (ألا لهُ الخلقُ والأمر) وكقوله عليه الصلاة والسلام «إنّما الأعمال بالنِّيات» فاذا لم تف العبارة بالغرض سمى «إخلالا وحذفاً رديئا» كقول اليشكري :
والعيش خيرٌ في ظلا |
|
ل النوك ممّن عاش كدا |
مرادهُ : أنّ العيشَ الناعم الرغد في حال الحُمق والجهل ، خيرٌ من العيش الشاق في حال العقل» لكن كلامه لا يُعدّ صحيحاً مقبولا.
__________________
(١) بأن يكون اللفظ أقل من المعهود عادة ، مع وفائه بالمراد ، فان لم يف كان الايجاز إخلالا وحذفا رديئا فلا يعد الكلام صحيحاً مقبولا ـ كقول عروة بن الورد : [الطويل]
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم |
|
ومقتلهم عند الوغى كان أعذارا |
يريد : إذ يقتلون نفوسهم في السلم ، لكن صوغ كلامه لا يدل عليه ، ومثله قول بعضهم نثرا فان المعروف إذا زجا كان أفضل منه إذا وفر وأبطأ ولأجل تمام ما يريد : كان عليه أن يقول ـ إذا قل وزجا ، ولا يعد مثل هذا الكلام صحيحاً مقبولا.
واعلم أن متعارف أوساط البلغاء هم الذين لم يرتقوا إلى درجة البلغاء ، ولم ينخرط إلى درجة البسطاء ، فالمساواة : هي الدستور الذي يقاس عليه كل من الإيجاز والاطناب.