وينقسم الإيجاز إلى قسمين ، إيجاز قصرٍ (١) وإيجاز حذف.
فإيجاز القصر ويسمى إيجاز البلاغة يكون بتضمين المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف ، كقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) ، فان معناه كثير ، ولفظه يسير ، إذ المراد بأن الانسان إذا علم أنه متى قتل قُتل : امتنع عن القتل ، وفي ذلك حياته وحياة غيره ، لأن القتل أنفى للقتل (٢) وبذلك تطول الأعمار ، وتكثر الذرية ، ويقبل كل واحد.
__________________
(١) وايجاز القصر ، هو ما تزيد فيه المعاني على الالفاظ ، ولا يقدر فيه محذوف ويسمى (إيجاز البلاغة) لأن الأقدار تتفاوت فيه.
وللقرآن الكريم فيه المنزلة التي لا تسامى والغاية التي لا تدرك. فمن ذلك قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) فهذه الآية قد جمعت مكارم الأخلاق ، وانطوى تحتها كل دقيق وجليل ، إذ في العفو الصفح عمن أساء ، وفي الأمر بالمعروف صلة الارحام ، ومنع اللسان عن الكذب وغض الطرف عن كل المحارم .. وقوله عز اسمه (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) استوعبت تلك الآية الكريمة أنواع المتاجر ، وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد وقوله (ألا له الخلق والأمر) هاتان كلمتان أحاطتا بجميع الأشياء على غاية الاستقصاء ، وقوله عليه الصلاة والسلام المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ، وعودوا كل جسم ما اعتاد فقد تضمن ذلك من المعاني الطبية شيئاً كثيرا.
وقول الامام علي كرم الله وجهه «من استقبل وجوه الآراء عرف وجوه الخطأ وقول بعض الأعراب اللهم هب لي حقك وارض عني خلقك. فسمعه الامام علي كرم الله وجهه فقال : هذا هو البلاغة ، ومنه قول السموءل :
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها |
|
فليس إلى حسن الثناء سبيل |
فقد اشتمل على حميد الصفات من سماحة وشجاعة وتواضع وحلم وصبر واحتمال مكاره في سبيل طلب الحمد إذ كل هذه مما تضيم النفس لما يحصل في تحملها من المشقة والعناء والسبب فيما له من الحسن والروعة دلالة قليل الالفاظ على كثير المعاني إلى ما فيه من الدلالة على التمكن في الفصاحة والبراعة. ولذا قال محمد الأمين «عليكم بالايجاز : فان له إفهاما ، وللاطالة استبهاماً» وقال آخر «القليل الكافي خير من كثير غير شاف».
(٢) لقد أثر ونقل عن العرب قولهم «القتل أنفى للقتل» وأين هذا المثل من بلاغة