بلاغة التشبيه (١)
وبعض ما اثر منه عن العرب والمحدثين
تنشأ بلاغة التشبيه : من أنه ينتقل بك من الشيء نفسه ، إلى شيء طريف يشبهه ، أو صورة بارعة تمثّله وكلما كان هذا الانتقال بعيداً ، قليل الخطور بالبال ، أو ممتزجاً بقليل أو كثير من الخيال ، كان التشبيه أروع للنفس ، وأدعى إلى إعجابها واهتزازها فإذا قلت : فلان يشبه فلانا في الطول ، أو أن الأرض تشبه الكرة في الشكل ، لم يكن في هذه التشبيهات أثر للبلاغة ، لظهور المشابهة ، وعدم احتياج العثور عليها إلى براعة ، وجهد أدبي ، ولخلوّها من الخيال.
وهذا الضرب من التشبيه ، يقصد به البيان والإيضاح ، وتقريب الشيء إلى الأفهام ، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.
ولكنك تأخذك روعة التشبيه ، حينما تسمع قول المعري يصف نجماًك :
يسرع اللمح في احمرار كما تسـ |
|
ـرعُ في اللمح مقلة الغضبان |
فان تشبيه لمحات النجم وتألقه مع احمرار ضوئه ، بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة ، التي لا تنقاد إلا لأديب ، ومن ذلك قول الشاعر :
وكأن النجوم بين دجاها |
|
سنن لاح بينهن ابتداع |
فإن جمال هذا التشبيه : جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه ، في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما ، وهما حالة النجوم في رقعة الليل ، بحال السنن الدينية الصحيحة ، متفرقة بين البدع الباطلة.
___________________
(١) التشبيه مع ما فيه من ميزة الايجاز في اللفظ يفيد المبالغة في الوصف ، ويخرج الخفي إلى الجلي والمعقول إلى المحسوس ، ويجعل التافه نفيساً ، والنفيس ، تافها ويدني البعيد من القريب ، ويزيد المعنى وضوحا ، وبكسبه تأكيدا ، فيكون أوقع في النفس وأثبت ، وله روعة الجمال والجلال.