بلاغة المجاز المرسل والمجاز العقلي
إذا تأملت أنواع المجاز المرسل (١) والعقلي رأيت أنها في الغالب تؤدى المعنى المقصود بايجاز ، فاذا قلت (هزَم القائد الجيش) أو (قرر المجلس كذا) كان ذلك أوجز من أن تقول (هزم جنود القائد الجيش) أو (قرر أهل المجلس كذا) ولا شك أن الايجاز ضربٌ من ضروب البلاغة. وهناك مظهرٌ آخر للبلاغة في هذين المجازين ، هو المهارة في تخيّر العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي ، بحيث يكون المجاز مصور للمعنى المقصودخيرَ تصوير ، كما في إطلاق العين على الجاسوس ، والأذن على سريع التأثر بالوشاية ، والخف والحافر على الجمال والخيل ، في المجاز المرسل وكما في إسناد الشيء : إلى سببه ، أو مكانه ، أو زمانه ، في المجاز العقلي فإن البلاغة توجب أن يختار السبب القوى ، والمكان والزمان المختصان.
وإذا دققت النظر رأيت أن أغلب ضروب المجاز المرسل ، والمجاز العقلي لا تخلو من مبالغة بديعة ، ذات أثر في جعل المجاز رائعاً خلاباً ، فإن إطلاق الكل على الجزء مبالغة ، ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكلّ ، كما إذا قلت «فلان فمٌ» تريد أنه شرهٌ ، يلتقم كل شيء ، ونحو : «فلان أنف» عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف ، فتبالغ فتجعله كله أنفا؟ ومما يؤثر عن بعض الأدباء : في وصف رجل أنافي (٢) قوله : «لست أدرى : أهو في أنفه ، أم أنفه فيه»؟؟
__________________
(١) المجاز المرسل : يوسع اللغة ، ويعين على الافتنان في التعبير ، ويساعد الكاتب والخطيب على ايراد المعنى الواحد بصور مختلفة ، وقد تدعو إليه : كما في (الطراز) حلية لفظية ، من تقفية ، أو ضرورة شعرية ، أو مشاكلة ، أو اختصار ، أو خفة في لفظه ، وكثيراً ما يكون الداعي إليه راجعاً إلى المعنى.
(٢) الأنافي : عيم الأنف.