كالأظفار التي لا يكمل الافتراس إلا بها كما في المثال الأول ، واللسان الذي لا تقوم الدلالة الكلامية في الانسان إلا به ، كما في المثال الثاني ، وليس للمنية شيء كالأظفار نقل إليه هذا اللفظ ، ولا للحال شيء كاللسان نقل إليه لفظ اللسان ، وما كان هذا حاله يعتبر طبعاً تخييلا أو استعارة تخييلية.
التنبيه الخامس : تقدم أن الاستعارة التصريحية ، أو المصّرحة : هي ما صُرّح فيها بلفظ المشبه به. وأنّ المكنية ، هي ما حذف فيها لفظ المشبه به ، استغناء ببعض لوازمه ، التي بها كمالهُ ، أو قوامه في وجه الشبه (١) وأنّ إثبات ذلك الّلازم تخييل ، أو استعارة تخييلية.
غير أنهم اختلفوا في تعريف كل من المكنية والتّخييلية ، فمذهب السّلف : أن المكنية : اسم المشبه به ، المستعار في النفس للمشبه ، وأنّ إثبات لازم المشبه به للمشبه (استعارة تخييلية) (٢) فكلٌّ من (الأظفار) في قوله : «وإذا المنية أنشبت أظفارها» ، واللّسان في قوله :
«فلسان حالي بالشكاية أنطق» حقيقةٌ ، لأنه مستعمل فيما وضع له.
_________________
(١) إذا لم يكن اللازم كذلك ، اعتبر ترشيحاً ـ فالفرق بين الترشيح والتخييل :
(أ) أن الترشيح يكون في المصرحة والمكنية : والتخييل ، إنما يكون في المكنية.
(ب) أن التخييل به كمال المشبه به ، أو قوامه في وجه الشبه ، ولا يكون إلا كذلك.
(٢) وعلى مذهبهم لا تكون التخييلية (مجازاً لغوياً) لأنها فعل من أفعال النفس ، وهو الاثبات ، والمجاز اللغوي من عوارض الألفاظ ، وعلى مذهبهم أيضاً تتلازم المكنية والتخييلية ، إلا أن أحدهم وهو (الزمخشري) انفرد من بينهم بأن قال إن قرينة المكنية قد تكون تحقيقية إذا كان للمشبه لازم يشبه لازم المشبه به نحو «ينقضون عهد الله» فقد شبه العهد بالحبل بجمع أن كلا يصل بين شيئين ويربطهما : فالعهد يربط المتعاهدين كما يربط الشيئان بالحبل ، ثم حذف لفظ المشبه به ، وهو الحبل واستعير النقض وهو فك طاقات الحبل ، لأبطال العهد ، بجامع الافساد في كل (استعارة أصلية تحقيقية) ثم اشتق من النقض ينقضون بمعنى يبطلون ، على سبيل الاستعارة ، (التحقيقية التبعية) فالزمخشري يجمع بين المكنية والتحقيقية أحياناً ، على أن التحقيقية ليست مقصودة لذاتها ، وإنما جاءت تبعا للمكنية ، للدلالة عليها ، فلا تلازم عنده بين المكنية والتخييلية ، إلا أن يدعى أن القرينة (تصريحية) باعتبار المعنى المقصود في الحالة الراهنة (تخييلية) باعتبار الاشعار بالأصل ، أما غيره من السلف فتقول : شبه العهد بالحبل ، وحذف لفظ الحبل ، ورمز إليه بلازمه ، وهو النقض ، وإثبات النقض للعهد تخييل.