المبحث التاسع
في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع
الاستعارة المصرحة باعتبار (الجامع) نوعان (١) :
___________________
(١) الجامع في الاستعارة : بمثابة (وجه الشبه) في التشبيه ، وهو ما قصد اشتراك الطرفين فيه ، وسمى جامعاً لأنه جمع المشبه في أفراد المشبه به تحت مفهومه وأدخله في جنسه ادعاء ، ولابد أن يكون في المستعار منه أقوى ، لأن الاستعارة مبنية على المبالغة في التشبيه ، والمبالغة فيه توجب ابلاغ المشبه لما هو أكمل.
وينقسم الجامع إلى داخل وخارج ، فالأول : ما كان داخلا في مفهوم الطرفين ، نحو قوله تعالى (قطعناهم في الأرض أمماً) فاستعير التقطيع الموضوع لازالة الاتصال بين الأجسام الملتصق بعضها ببعض ، لتفريق الجماعة ، وإبعاد بعضها على بعض ، والجامع إزالة الاجتماع ، وهي داخلة في مفهومها ، وهي في القطع أشد.
والثاني : وهو ما كان خارجا عن مفهوم الطرفين ، نحو : رأيت أسداً. أي رجلا شجاعاً ، فالجامع وهي الشجاعة أمر عارض للأسد ، لا داخل في مفهومه.
وينقسم الجامع أيضا باعتباره وباعتبار الطرفين ، إلى ستة أقسام ـ لأن الطرفين إما حسيان وإما عقليان (أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس) والجامع في الأول من الصور الأربع تارة يكون حسيا وتارة يكون عقليا وأخرى مختلفا ، وفي الثلاث الأخيرة لا يكون إلا عقليا.
مثال ما إذا كان الطرفان حسيين والجامع كذلك قوله تعالى (فأخرج لهم عجلا جسداً له خوار) فان المستعار منه ولد البقرة ، والمستعار له الحيوان المصوغ من (حلى القبط) بعد سبكها بنار السامري ، وإلقاء التراب المأخوذ من أثر فرس جبريل (عليه السلام) ، والجامع لهما الشكل والخوار ، فانه كان على شكل ولد البقر ، مما يدرك بحاسة البصر «ويحث بعضهم بأن ابدال جسداً من عجلا يمنع الاستعارة». ومثال ما إذا كان الطرفان حسيين ، والجامع عقلي ، قوله تعالى : (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون) أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل ، وموضع ظلمته ، فان المستعار منه أعنى السلخ وهو كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها والمستعار له : إزالة الضوء عن مكان الليل وموضع ظلمته : وهما حسيان.
والجامع لهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر بحصوله عقبه ، كترتب ظهور اللحم على السلخ والكشط ، وترتب حصول الظلمة على ازالة ضوء النهار عن مكان ظلمة الليل ، والترتب عقلي ، واجراء الاستعارة ، شبه كشف