بلاغة الاستعارة بجميع أنواعها
سبق لك أن بلاغة التشبيه آتية من ناحيتين ، الأولى : طريقة تأليف الفازه. والثانية : ابتكار مشبه به بعيد عن الأذهان ، لا يجول إل في نفس أديب ، وهب له استعداداً سليماً في تعرف وجوه اشبه الدقيقة بين الأشياء وأودعه قدرة على ربط المعاني ، وتوليد بعض إلى مدى بعيد لايكاد ينتهي.
وسر بلاغة الاستعارة لا تعتدي هاتني ، فبلاغتها من ناحية اللفظ أ ، تركيبها يدل على تناسي التشبيه ، ويحملك عمداً على تخيل صورة جديدية تنسيك روعتها ما تضمنه الكلام من تشبيه خفي مستور.
انظر لى قول البحتري في الفتح بن خاقان :
يمو بكف على العافين حانية |
|
تهمي وطرف إلى العلياء طمّاح |
ألست ترى كفه : وعد تمثلت في صورة سحابة هتانة ، تصب وبلها على العافين والسائلين ، وإن هذه صورة قد تملكت عليك مشاعرك فأهلتك علما اختبأ في الكلام من تشبيه؟
لهذا كانت الاستعارة أبلغ من التشبيه البليغ لأنه وإن بنى على ادعاء أن المشبه والمشبه به سواء ، لايزال فيه التشبيه منوياُ ملحوضاً. بخلاف الاستعارة فالتشبيه فيها منسي بجحود ، ومن ذلك يظهر لك أن الاستعارة المرشحة أبلغ من الاستعارة المطلقة ، وأن الاستعارة المطلقة ، وأن الاستعارة المطلقة أبلغ من الاستعارة المجردة.
أما بلاغة الاستعارة من حيث الابتكار ، وروعة الخيال ، وما تحدثه من أثر في نفوس سامعيها ، فمجال فسيح للإبداع ، وميدان لتسابق المجيدين من فرسان الكام. انظر إلى قوله عز شأنه في وصف النار : (تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوجُ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير). ترسم أمامك النار في صورة مخلوق ضخم, بطاش مكفهر الوجه عابس يغلى صدره حقداً وغيظاً. (عن البلاغة الواضحة بتصرف).