ومن لطيف ذلك قول بعضهم :
سألت الندى والجود مالي أراكما |
|
تبدلتما ذلاً بعزٍّ مؤبدِ |
وما بال رُكن المجد أمسى مهدّما |
|
فقالا ، أصبنا بابن يحيى محمد |
فقلت : فهلاّ مُتُّما عند موته |
|
فقد كنتما عبديه في كل مشهد |
فقالا : أقمنا كي نُعزّى بفقده |
|
مسافة يوم ثم نتلوه في غد |
والكناية من ألطف أساليب البلاغة وأدقها ، وهي أبلغ من الحقيقة والتصريح ، لأن الانتقال فيها يكون من الملزوم إلى اللازم ، فهو كالدَّعوى ببينة ، فكأنك تقول في «زيد كثير الرماد» زيد كريم ، لأنه كثير الرماد وكثرته تستلزم كذا الخ كيف ، لا وانها تمكن الإنسان من التعبير عن أمور كثيرة ، يتحاشى الأفصاح بذكرها ، إمّا احتراماً للمخاطب ، أو للأبهام على السّامعين ، أو للنيل من خصمه ، دون أن يدعَ له سبيلا عليه ، أو لتنزيه الأذن عمّا تنبو عن سماعه ، ونحو ذلك من الأغراض واللطائف البلاغية.
تمرين
بين أنواع الكنايات الآتية ، وعيّن لازم معنى كل منها.
(١) قال البحتري يصف قتله ذئبا :
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها |
|
بحيث يكون اللبُّ والرعب والحقد (١) |
__________________
(١) ضمير أتبعتها يعود على الطعنة ، وأضللت أخفيت ، والنصل حديدة السيف واللب العقل ، والرعب الفزع ، والخوف.
واعلم أن الكناية ، إما حسنة وهي ما جمعت بين الفائدة ولطف الاشارة كما في الأمثلة السابقة.
وإما قبيحة وهي ما خلت عن الفائدة المرادة ، وهي معيبة لدى أرباب البيان كقول المتنبي
إني على شغفي بما في خمرها |
|
لأعف عما في سراويلاتها |
كناية عن النزاهة والعفة ، الا أنها قبيحة لسوء تأليفها وقبح تركيبها.