فلان من الصداقة حداً صحّ معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها. ونحو :
ترى منهمو الأسد الغضاب إذا سطوا |
|
وتنظر منهم في اللقاء بدوراً |
ب ـ ومنها : ما يكون بواسطة (الباء التجريدية) الداخلة على المنتزع منه نحو قولهم : لئن سألت فلاناً لتسألن به البحر ، بالغ في اتصافه بالسماحة ، حتى انتزع منه بحراً فيها.
ج ـ ومنها : ما لا يكون بواسطة ، نحو : (وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر).
د ـ ومنها : ما يكون بطريق الكناية ، كقول الأعشى :
يا خير من ركب المطيّ ولا |
|
يشرب كأساً بكف من بخلا (١) |
(١٣) المشاكلة
المشاكلة : هي أن يذكر الشيء بلفظ غيره ، لوقوعه في صحبته كقوله تعالى (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) المراد : ولا أعلم ما عندك وعبّر بالنفس (للمشاكلة) ونحو : قوله تعالى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) أي أهملهم ، ذكر الاهمال هنا بلفظ النسيان لوقوعه في صحبته ، ومن ذلك ما حكى عن أبي الرقمع : أن أصحاباً له ، أرسلوا يدعونه إلى الصبوح في يوم بارد ، ويقولون له ، ماذا تريد أن نصنع لك طعاما؟؟
__________________
(١) أي يشر الكأس بكف الجواد ، انتزع منه جواداً يشرب هو بكفه على طريق الكناية ، لأن الشرب بكف غير البخيل يستلزم الشرب بكف الكريم وهو لا يشرب إلا بكف نفسه ، فاذاً هو ذلك الكريم.
ومن التجريد خطاب المرء نفسه : كقول المتنبي :
لا خيل عندك تهديها ولا مال |
|
فليسعد النطق ان لم تسعد الحال |
أي الغنى فقد انتزع من نفسه شخصاً آخر وخاطبه ، وهذا كثير في كلام الشعراء ، وانما سمى هذا النوع تجريداً لأن العرب تعتقد أن في الانسان معنى كامناً فيه كأنه حقيقته ، فتخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها مجرداً عن الانسان ، كأنه غيره ، وفائدة هذا النوع (مع التوسع) أن يثبت الانسان لنفسه مالا يليق التصريح بثبوته له.