يريد الحجّاج : القيد الحديد الأسود : فقال القبعثري «مثلُ الأمير يحمل على الأدهم والأشهب» يعني الفرس الأسود ، والفرس الأبيض ، فقال له الحجاج : أردت (الحديد) ، فقال القبعثري : لأن يكون حديداً خيرٌ من أن يكون بليداً ، ومراده تخطئة الحجاج بأن الأليق به الوعد لا الوعيد (١).
وقال ابن حجُاج البغدادي :
قال : ثَقَّلتُ إذ أتيتُ مراراً |
|
قال : ثقلتَ كاهلي بالايادي |
قال : طوّلت ، قال : أوليت طولا |
|
قلتُ : أبرمتُ ، قال : حبل وادادي (٢) |
فصاحب ابن حجَّاج : يقول له ، قد ثقَّلت عليك بكثرة زياراتي ، فيصرفه عن رأيه في أدب وظرف ، وينقل كلامه من معنى إلى معنى آخر ـ وكقول الشاعر :
ولما نعى الناعي سألناه خشيةً |
|
وللعين خوف البين تسكاب أمطار |
أجاب قضى : قلنا قضى حاجة العلا |
|
فقال مضى : قلنا بكل فخار |
ويحكى : أنه لما توجّه (خالد بن الوليد) لفتح الحيرة ، أتى إليه من قبل أهلها رجل ذو تجربة : فقال له (خالد) فيم أنت؟ قال في ثيابي ، فقال علام أنت؟ فأجاب على الأرض فقال كم سنّك؟ قال اثنتان وثلاثون فقال : أسألك عن شيء ، وتجيبني بغيره : فقال : إنّما أجبتك عمّا سألت.
_________________
(١) سبب ذلك : ان الحجاج بلغه أن القبعثري لما ذكر الحجاج بينه وبين أصحابه في بستان ، قال : اللهم سود وجهه ، واقطع عنقه ، واسقني من دمه ، فوشى به إلى الحجاج فلما مثل بين يديه ، وسأله عن ذلك ، قال : انما أردت (العنب) ، فقال له الحجاج ما ذكر.
(٢) فقد وقع لفظ «ثقلت» في كلام المتكلم بمعنى «حملتك المؤونة» فحمله المخاطب على الاكثار من المنن والأيادي «وأبرمت» وقع في كلامه بمعنى «أمللت» فحمله المخاطب على ابرام حبل الوداد وإحكامه ، وليس في طولت الأولى التي هي من طول الاقامة ، وتطولت من التطول وهو التفضل : شاهد.