علم المعاني
إنَّ الكلام البليغ : هو الذي يُصورِّه المتكلِّم بصورة تناسب أحوال المخاطبين ، وإذاً لابُدّ لطالب البلاغة أن يدرس هذه الأحوال ، ويَعرف ما يجب أن يُصَوَّر به كلامه في كل حالة ، فيجعل لكل مقام مقَالا.
وقد اتفق رجال البيان على تسمية العلم الذي تُعرف به أحوال اللّفظ العربي التي بها يُطابقُ اقتضاء الحال : باسم علم المعاني (١).
__________________
(١) قال بعض العلماء : المعاني المتصورة في عقول الناس المتصلة بخواطرهم خفية بعيدة ، لا يعرف الانسان ضمير صاحبه ، ولا حاجة أخيه ، ولا مراد شريكه ، ولا المعاون له على أمره ، الا بالتعابير التي تقر بها من الفهم ، وتجعل الخفي منها ظاهراً والبعيد قريباً ، فهي تخلص الملتبس ، وتحل المنعقد ، وتجعل المهمل مقيداً ، والمقيد مطلقا والمجهول معروفا ، والوحشي مألوفا ، وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الاشارة يكون ظهور المعنى ، والعاقل يكسو المعاني في قلبه ، ثم يبديها بألفاظ عرائس في أحسن زينة ، فينال المجد والفخار ، ويلحظ بعين العظمة والاعتبار ، والجاهل يستعجل في اظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها ، واستكمال محاسنها ، فيكون بالذم موصوفا ، وبالنقص معروفاً ويسقط من أعين السامعين ، ولا يدرج في سلك العارفين.
واعلم أن الأصل في اللفظ أن يحمل على ظاهر معناه ، ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل كما جاء في القرآن ، «وثيابك فطهر» فان الظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس ومن تأول ذهب إلى أن المراد هو القلب لا الملبوس ، وهذا لابد له من دليل ، لأنه عدول عن ظاهر اللفظ.
واعلم أيضاً أنه يجب صناعة على معاني المعاني أن يرجح المعاني بحيث يرجح بين حقيقة ومجاز أو بين حقيقتين ، أو مجازين.