١٦ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ ...) أي : أظننتم وزعمتم أيها المؤمنون أن تهملوا فلا تكلّفون بالجهاد في سبيل الله؟ وأم : حرف عطف يعطف به الاستفهام. و (أَمْ حَسِبْتُمْ) معطوف على ما تقدّم. (وَلَمَّا يَعْلَمِ) نفي للعلم مع تقريب لوقوعه. ولو قال : ولم يعلم لكان نفيا للعلم بعد الإطماع بوقوعه. يعني : أتظّنون أن تتركوا هكذا ولمّا يظهر ما علم الله منكم؟ فذكر نفي العلم وهو يريد نفي المعلوم تأكيدا للنفي. وهو سبحانه عالم بما يكون قبل أن كان ، وبما لا يكون لو كان كيف يكون. ولمّا يعلم الله (الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) فامتثلوا الأمر وقاتلوا الكفار (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) هذه الجملة معطوفة على سابقتها ، أي : ولم يعلم الله سبحانه الذين لم يتخذوا سواه وسوى رسوله وسوى المؤمنين أولياء وبطانة. والوليجة لغة : هو الدخيلة في القوم من غيرهم. ولكنه هنا البطانة ، ووليجة الإنسان من يختص بدخيلة أمره دون سائر الناس. فهو سبحانه وتعالى يريد أن يظهر ما يعلمه ممّن لا يوالي إلّا الله ورسوله والمؤمنين (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) عارف بأعمالكم ، عالم بها ، وهو يثيب ويجازي عليها.
١٧ ـ (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ ...) أي لا ينبغي لمن أشرك بالله تعالى أن يشرف على عمارة مساجده وأمكنة عبادته ، بل هذا حقّ للمسلمين دون غيرهم. فكيف يفعلون ذلك (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) يعني حال كونهم يشهدون ويعترفون بكفرهم بالله وبقدسية مساجده. وقد فسّروا العمارة مرّة بالدخول إليها والنزول بها كمن يعمر مجلس فلان أي يغشاه ، ومرة بإصلاحها وترميمها ، وأخرى بأن يكونوا من أهلها وروّادها. فعلى كل حال لا ينبغي للمشركين أن يكونوا أهل المسجد الحرام بكل هذه المعاني. أما شهادتهم على أنفسهم بالكفر ـ كما جاء في المجمع ـ فهو أنك إذا سألت اليهوديّ : ما أنت؟ يقول : أنا يهودي ، والنصرانيّ يقول : أنا نصراني ، ومثلهما المشرك. وقيل كلامهم وسلوكهم يدلّان على كفرهم ، كقولهم في التلبية : لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو