به نساؤكم لكم من اللؤلؤ والمرجان. ولمّا كان تزيينها لهم فلذا نسب الحلية إلى الرّجال ويمكن أن يكون المراد تزيين الرجال بأنفسهم كما هو ظاهر الكريمة لا أن النسبة باعتبار المتعلّق. والحاصل أن الله تعالى خلق في البحار منافع كثيرة ، ولكن ذكر هنا منها ثلاثة أنواع : الأول : اللّحم الطريّ الّذي هو في غاية العذوبة أخرجه عباده من البحر الملح الزعاق بقدرته الكاملة فأخرج الضدّ من الضدّ. والثاني : ما يتزيّن به ويلبس من اللؤلؤ والمرجان وغيرهما. والثالث : هو قوله تعالى (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) أي جواري تمخر الماء وتشقّه بصدرها (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) تطلبوا من سعة رزقه. بركوبها للتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله على نعمة بعد معرفتها من تسخير البحر ، وتعليم صنعة السّفن ، ومعرفة إجرائها على الماء للانتفاع بها ـ وتخصيص هذه النعمة معقّبة بالشكر لأهمّيتها وعظمتها ، حيث إنه تعالى جعل المهالك سببا للانتفاع وتحصيل المعاش وإبقاء الحياة وهذه من العجائب التي ينبغي لها الشكر كثيرا. وفي الحديث : لا تركب البحر إلّا حاجّا ومعتمرا فإن تحت البحر نارا. يريد أنه لا ينبغي للعاقل أن يلقي نفسه للمهالك إلّا لأمر دينيّ يحسن بذل النفس فيه وقوله تحت البحر نارا هو تهويل لشأن البحر لآفات متراكمة إن أخطأته مرّة جذبته مرّة أخرى .. وإنّ علماء الهيئة قالوا : ثلاثة أرباع الأرض غائصة في الماء وذلك هو المحيط وهو كليّة عنصر الماء ، وحصل في هذا الرّبع المسكون سبعة من البحار ، كما قال سبحانه : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) ، ولعل المراد بالبحر الذي سخّره الله تعالى هذه الأبحر السبعة باعتبار الجنس. وحاصل معنى التسخير جعلها بحيث يتمكن الإنسان من الانتفاع بها إما بالركوب للتجارة وغيرها من الانتفاعات ، وإما بالغوص ، وإما بالزرع في سواحلها ونواحيها كما هو المرسوم لأهل البنادر والسّواحل ، ثم عدّد نوعا آخر من النعم الأرضيّة فقال عزّ من قائل :
١٥ ـ (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) ... أي خلق على الأرض جبالا رفيعة كبيرة ثابتة لئلا تتحرّك وتضطرب ، وذلك لأن الأرض كانت مخلوقة كرويّة