وأيضا فمن المحال أن يرغب زكريا عليهالسلام في ولد يحجب عصبته عن ميراثه إذ إنما يرغب في هذه الخطة ذو الحرص على الدنيا وحطامها ، وقد نزه الله عزوجل عن ذلك أنبياءه عليهم الصلاة والسلام وبرهان ذلك أنه عليهالسلام إنما طلب الولد إذ يرى أن ما آتاه الله عزوجل مريم عليهاالسلام التي كانت في كفالته من المعجزات ، قال تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) إلى قوله : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) [سورة آل عمران : ٣٨].
وعلى هذا المعنى دعا فقال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [سورة مريم : ٥ ، ٦].
وأما من اغتر بقوله تعالى حاكيا عنه عليهالسلام أنه قال : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [سورة مريم : ٥].
قيل له : بطلان هذا الظن أن الله تعالى له يعطه ولدا يكون له عقب فيتصل الميراث لهم بل أعطاه ولدا حصورا لا يقرب النساء قال تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة آل عمران : ٣٩].
فصح ضرورة أنه عليهالسلام إنما طلب ولدا نبيا لا ولدا يرث المال ، وأيضا فلم يكن العباس محيطا بميراث النبي صلىاللهعليهوسلم وإنما كان يكون له ثلاثة أثمان فقط وأما ميراث المكانة فقد كان العباس رضي الله عنه حيا قائما إذ مات النبي صلىاللهعليهوسلم فما ادعى العباس لنفسه قط في ذلك حقا ، لا حينئذ ولا بعد ذلك ، وجاءت الشورى فما ذكر فيها ولا أنكر هو ولا غيره ترك ذكره فيها ، فصح أنه رأي محدث فاسد لا وجه للاشتغال به ، والخلفاء من ولده والأفاضل منهم من غير الخلفاء لا يرضون لأنفسهم بهذه الدعوى ترفعا عن سقوطها ووهنها ، وبالله تعالى التوفيق.
وأما القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في ولد علي رضي الله عنه فإنهم انقسموا قسمين :
فطائفة قالت : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نص على علي بن أبي طالب أنه الخليفة بعده ، وأن الصحابة بعده عليهالسلام اتفقوا على ظلمه ، وعلى كتمان نص النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهؤلاء المسلمون الروافض. وطائفة قالت لم ينص النبي صلىاللهعليهوسلم على عليّ لكنه كان أفضل الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأحقهم بالأمر ، وهؤلاء هم الزيدية نسبوا إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.