الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
قال أبو محمد : اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منها لقول الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [سورة آل عمران : ١٠٤].
ثم اختلفوا في كيفيته ، فذهب أهل السنة من القدماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم ، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره ، وهو قول سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أن الغرض من ذلك إنما هو بالقلب فقط ولا بدّ ، أو باللسان إن قدر على ذلك ، ولا يكون باليد ولا بسلّ السيوف ، ووضع السلاح أصلا ، وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم. وبه قالت الروافض كلهم ولو قتلوا كلهم ، إلّا أنها لم تر ذلك الإمام يخرج الناطق فإذا خرج وجب سل السيوف ولا بد حينئذ معه ، وإلا فلا.
واقتدى أهل السنة في هذا بعثمان رضي الله عنه ، وبمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم ، وبمن رأى القعود منهم.
إلّا أنّ جميع القائلين بهذه المقالة من أهل السنة إنما رأوا ذلك ما لم يكن عدلا فإن كان عدلا وقام عليه فاسق وجب عندهم بلا خلاف سلّ السيوف مع الإمام العدل ، وقد روينا عن ابن عمر أنه قال : لا أدري من هي الفئة الباغية؟ ولو علمتها ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى قتالها. قال أبو محمد : وهذا الذي لا يظن بأولئك الصحابة رضي الله عنهم غيره. وذهبت طوائف من أهل السنة ، وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية ، إلى أنّ سلّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك. قالوا : فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ، ولم ييأسوا من الظفر ، ففرض عليهم ذلك. وإن كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد ، وهذا قول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة ، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وطلحة ، والزبير ، وكل من كان معهم من الصحابة. وقول معاوية وعمرو ، والنعمان بن بشير ، وغير هم ممن