الكلام في الصّلاة خلف الفاسق والجهاد معه ، والحج معه ،
ودفع الزكاة إليه ، ونفاذ أحكامه من الأقضية
والحدود وغير ذلك
قال أبو محمد : ذهبت طائفة إلى أنه لا تجوز الصلاة إلّا خلف الفاضل ، وهو قول الخوارج والزيدية ، والروافض ، وجمهور المعتزلة ، وبعض أهل السنة. وقال آخرون : إلا الجمعة والعيدين وهو قول بعض أهل السنة.
وذهبت الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم ، وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم ، وأكثر من بعدهم ، وجمهور أصحاب الحديث ، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم ، إلى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها. وبهذا نقول. وخلاف هذا القول بدعة محدثة ، فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد ، والحجاج ، وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة (١) وغيرهم عن الصلاة خلفهم ، وهؤلاء أفسق الفساق. وأمّا المختار فكان متهما في دينه ، مظنونا به الكفر.
قال أبو محمد : احتجّ من يقول بمنع الصلاة خلفهم بقول الله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة : ٢٧].
قال أبو محمد : فيقال لهم : كل فاسق إذا نوى بصلاته وجه الله عزوجل فهو في ذلك من المتقين ، فصلاته متقبلة. ولو لم يكن من المتقين إلّا من لا ذنب له ما استحق أحد هذا الاسم بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال الله عزوجل : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) [سورة النحل : ٦١].
ولا يجوز القطع على الفاسق بأنه لم يرد بصلاته وجه الله تعالى ، ومن قطع بهذا
__________________
(١) هو حبيش بن دلجة القيني من أهل الأردن. ولّاه القيادة مروان بن الحكم ، فاستولى على المدينة وجدّد البيعة فيها لمروان ، ثم تقدم إلى البصرة لحرب الحارث بن أبي ربيعة والتقى معه في الربذة ، فرماه يزيد بن سنان بسهم فقتله عام ٦٥ ه. انظر الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٤ وما بعدها).